شريك عام منفرد يراهن على انتقال MENA من مستهلكي التكنولوجيا إلى منتجيها
أصوات الصناعة

شريك عام منفرد يراهن على انتقال MENA من مستهلكي التكنولوجيا إلى منتجيها

[قراءة 8 دقائق]

بواسطة Bayanat

قلّة هم من يجسّدون مسار التحوّل من مؤسّس شركة ناشئة إلى مستثمر كما فعل تَامْبِي جَلُوقَة. في هذا الحوار ضمن سلسلة "أصوات الصناعة" ، يشارك تَامْبِي رحلته منذ طفولته أمام حاسوب "صخر" في عمّان، إلى تأسيسه أحد أنشط صناديق الاستثمار في الأردن، وصولاً إلى إطلاقه Maza Ventures كـ"General Partner" منفرد، حيث يسعى إلى دعم مؤسّسين طموحين ومخاطرين، طالما تمنّى أن يجد من يقف وراءهم عندما كان في موقع المؤسّس.


من اللعب إلى البناء إلى الاستثمار


بدأت شرارة ريادة الأعمال عند تَامْبِي جَلُوقَة مبكراً. فقد نشأ في الأردن ملتصقاً بجهاز "صخر"، أوّل حاسوب شخصي عربي في الثمانينيات. بدأ باللعب، ثم تعلّم البرمجة بنفسه. يقول: "كنتُ أحب الألعاب… وهذا ما قادني إلى تعلّم البرمجة". قادته هذه الفضولية إلى دراسة الرياضيات ثم علوم الحاسوب، قبل أن ينتقل إلى عالم التأسيس حيث شغل منصب المدير التقني (CTO) في JoblandApp ثم في POSRocket التي استحوذت عليها لاحقاً شركة FOODICS.

أحبّ تَامْبِي بناء المنتجات وحلّ المشكلات. غير أنّه أدرك مع الوقت أنّ المنطقة لا تحتاج فقط إلى مزيد من الشركات الناشئة، بل إلى بنية رأسمالية أقوى تدعمها. فقد رأى مؤسّسين واعدين يعجزون عن جمع التمويل، وفِرقاً موهوبة تصطدم بسقف محدودية رأس المال، لا بندرة الكفاءات. فكان الانتقال إلى عالم الاستثمار خطوة طبيعية.

أراد تَامْبِي أن يكون المستثمر الذي تمنّى وجوده حين كان في موقع المؤسّس: من يقدّم المال مع التعاطف الحقيقي. يقول: "عندما تكون في الميدان تعرف حجم الضغوطات، والعثرات، وما يتطلّبه الأمر من صلابة. لا تتكلّم من برجٍ عاجي". تلك الخبرة التشغيلية مكّنته من لقاء المؤسّسين حيث هم، مقدّماً النصيحة، والصبر، والمصداقية المولودة من التجربة.

في وادي السيليكون، بدأت كبريات الشركات الاستثمارية مثل Sequoia وKleiner Perkins وa16z على يد مُشغّلين بنوا شركات قبل أن يستثمروا. أمّا في MENA، فقد جرى العكس غالباً: صناديق نشأت بجهود أصحاب خلفيات مالية، المال أولاً ثم الخبرة لاحقاً. وهنا بالضبط يكمن الفراغ الذي يسعى تَامْبِي إلى ملئه: مستثمرون يحملون "DNA" المؤسّس.


تأسيس Propeller


جاءت المرحلة التالية مع تأسيس صندوق Propeller بالشراكة مع زيد فارخ . لم يكن الهدف أن يصبحا مستثمرَين مهنيَّين بقدر ما كان شغفاً بدعم المؤسّسين. ما بدأ كمبادرة لمساندة الرياديين تحوّل مع الوقت إلى صندوق استثماري. يقول تَامْبِي: "لم أختر أن أكون مستثمراً، بل احتضنت هذه الهوية".

أثبتت النتائج نجاح التجربة؛ فقد حقّق الصندوق الأول عائداً بلغ 3.5 ضعف رأس المال مع ثلاث صفقات خروج ناجحة، وهو إنجاز لمديرَين مبتدئَين لم يريا نفسيهما يومًا كمموّلين. أما الصندوق الثاني، الذي استُثمر بالكامل، فقد دعم أسماء إقليمية بارزة، وشركات عالمية، وخريجي Y Combinator مثل OpenCX وActivePieces. لكن بالنسبة لتَامْبِي، لم تكن العبرة أبداً بالخروج السريع، بل بخلق شركات مستدامة تدوم وتبني عائداً حقيقياً.


إطلاق Maza Ventures


بقي تَامْبِي أقرب إلى عقلية "البنّاء" منه إلى عقلية "المدير الموسّع". وبعد نمو Propeller، شعر بالحاجة إلى البدء من جديد عبر Maza Ventures في MENA. يقول: "أنا بنّاء في الجوهر. لهذا أسّست صندوقاً، وها أنا اليوم أُنشئ آخر يكون أبسط وأسرع، بلا قيود جغرافية، يركّز فقط على دعم أفضل المؤسّسين".

يركّز Maza على المشاريع الطموحة التي تعالج مشكلات صعبة في السوق أو التكنولوجيا أو المجتمع، بعيداً عن المكاسب السريعة. حتى الاسم نفسه "Maza"، أي "القمر" باللغة الشركسية، يحمل دلالة على استهداف آفاق أعلى.


الأطروحة الاستثمارية


يُغلق Maza Ventures حالياً صندوقاً بحجم 15 مليون دولار لتمويل نحو 40 شركة في مرحلة ما قبل البذرة، بمتوسّط شيك استثماري يناهز 150 ألف دولار. يشمل التركيز شركات B2B SaaS، لكن يمتد أيضاً إلى عمق "DeepTech": الذكاء الاصطناعي (AI)، الحوسبة المتقدّمة، التكنولوجيا الحيوية ، والروبوتات . الهدف هو تمويل فرق تقنية تُعالج تحديات عالمية، حتى لو لم تتّضح الطريق بالكامل بعد.


عملية جمع التمويل


لم يكن جمع التمويل لـMaza Ventures سهلاً. يقول تَامْبِي: "لن أقول إنّه كان سهلاً، لكنّي لا أريد مقارنته بمعاناة مؤسّسي الشركات الناشئة، فهي أصعب بكثير".

على عكس الكثير من الصناديق التي ترتكز على مؤسّس أو اثنين من المستثمرين الكبار، اختار تَامْبِي طريقاً مختلفاً. بنى قاعدة من 47 مستثمراً (LPs)، معظمهم من المؤسّسين والمشغّلين الذين عاشوا تجربة ريادة الأعمال. بالنسبة له، لم يكن الأمر مجرّد جمع مال، بل بناء شبكة تُضيف قيمة حقيقية تتجاوز التمويل.

يتعامل تَامْبِي مع LPs كما يتعامل المؤسّس مع عملائه الأوائل: يقدّم العرض، يسمع الملاحظات، يعدّل النموذج، ثم يعود مجدداً. في البداية، خطّط للاستثمار في 100 شركة، لكن عبر التكرار والتجربة، استقرّ الرقم عند 40 شركة تقريباً. يقدّر أنّ نسبة نجاحه مع المستثمرين تقارب 25%، وهو معدل لم يأتِ بسهولة، بل نتيجة انتقاء دقيق للجهات المستهدفة.


إعادة موازنة التفويضات


يختبر تَامْبِي فكرة قد تُعيد صياغة مشاركة المستثمرين "المفوَّضين" (mandate-driven LPs) في الصناديق. جوهر الفكرة أن يتحمّل هؤلاء المستثمرون — مثل الصناديق السيادية التي تهدف إلى تنمية الاقتصاد المحلي وخلق الوظائف — قسطاً أكبر من الخسارة الأولى، ليحصل باقي المستثمرين على حصة عادلة من العوائد.

يُصوّر تَامْبِي نموذجاً نسبياً: كلّما زاد إصرار المستثمر على استثمار رأس المال في بلده، زاد نصيبه من الخسارة الأولى. وهكذا، يحقّق أهدافه التنموية حتى لو لم يُحقق الصندوق عوائد مالية كبيرة، بينما ينال المستثمرون التقليديون فرصة أفضل لتحقيق الأرباح.


الحاجة إلى مزيد من الصناديق لا إلى تكبيرها فقط


يؤكّد تَامْبِي أنّ المنطقة تحتاج إلى مزيد من الصناديق الاستثمارية، لا إلى تكبير الصناديق القائمة. فالمزيد من الصناديق يعني المزيد من "الفرص على المرمى"، والمزيد من التجارب، والتعلّم، والمحاولات. يشير أيضاً إلى مشكلة هيكلية: غياب مستثمرين كبار من نوع الجامعات، وصناديق التقاعد، والمؤسّسات غير الربحية التي تستثمر عادةً في رأس المال الجريء. الكثير من هذه الصناديق لا تزال تركّز على العقارات، متجنّبة المخاطرة، ما يُبطئ نمو شركات ناشئة كان يمكن أن تُغيّر المشهد الاقتصادي.


خيار الـ Solo GP


اختار تامبي أن يُطلق صندوقه كـ"Solo GP" سعياً وراء السرعة، والتركيز، والاستقلالية. يقول: "أستطيع التحرّك أسرع، وأدعم المؤسّسين بسرعة أكبر". ومن دون طبقات من الهرمية أو السياسة الداخلية، يستطيع أن يكرّس وقته لما هو أهم: مساعدة المؤسّسين، بناء العلاقات، وإنجاز الأمور. يعترف بوجود قيود على الطاقة والوقت، لكنها قيود تدفعه إلى الأولويات والذكاء في العمل، فيُدير وقته بفعالية ويعتمد على الأتمتة حيثما أمكن، بدلاً من الوقوع في البيروقراطية.

لا يستبعد أن يوسّع فريقه لاحقاً، لكن فقط عبر شركاء حقيقيين، لا عبر مساعدين أو طبقات من الموظفين المبتدئين. وهو يستلهم نماذج مثل Benchmark التي تعمل بفريق صغير وفعّال، حيث يتولّى كل شريك اكتشاف الصفقات ودعمها بشكل مستقل ومن دون هرمية. يؤكد: "الاستقلالية مهمة جداً، فأنت لا تريد أن تصبح المؤسسة المالية التقليدية التالية". بالنسبة له، فإن نموذج الـSolo GP يمنحه المرونة والوضوح اللازمين لبناء شركة رأس مال جريء من النوع الذي يحتاجه الإقليم.


إرث تَامْبِي جَلُوقَة


حين يُسأل عن الإرث الذي يريد أن يتركه، يؤكّد أنّ الأمر يتجاوز العوائد المالية. بالنسبة للمستثمرين (LPs)، يتمنى أن تكون تجربتهم معه فصلاً مثمراً في حياتهم، مليئاً بالنمو والعلاقات والانتماء إلى شيءٍ له معنى. يقول: "عندما تشتري سهماً، لا يتحدّث إليك… لكن علاقة الـLP مختلفة، يجب أن تكون غنية وقيّمة".

أمّا بالنسبة للمؤسّسين، فيريد أن يُذكر كمن رفع سقف طموحاتهم، وأثبت لهم أنّ بناء شركات عالمية من المنطقة ممكن. إذا خلّف عمله بيئة أكثر ثقة، وتواصلاً أعمق، وطموحاً أكبر، فذلك هو الإرث الذي يراه جديراً.


اشترك في نشرتنا الإخبارية لتكون أول من يعرف عند نشر قصص جديدة من "أصوات الصناعة"!


كن في الطليعة

انضم إلى مجتمعنا المتنامي من عشاق التكنولوجيا، ولا تفوّت أي قصة، أو رؤية، أو تحديث حول التمويل في قطاع التكنولوجيا المزدهر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.