تسليط الضوء على مشهد الشركات الناشئة في تونس
أصوات الصناعة

تسليط الضوء على مشهد الشركات الناشئة في تونس

[قراءة 7 دقائق]

بواسطة Bayanat٩ نيسان ٢٠٢٥

تسليط الضوء على مشهد الشركات الناشئة في تونس

[قراءة 7 دقائق]

في هذه النسخة من "أصوات الصناعة"، نستعرض تحوّلات مشهد الشركات الناشئة في تونس من خلال تجربة منار العبيدي، المديرة المالية في شركة Cynoia.

من أيامها الأولى كطالبة تعمل في ريادة الأعمال، إلى قيادتها للاستراتيجية والمالية في واحدة من أبرز شركات الـSaaS الصاعدة في تونس، تشارك منار ما يعنيه البناء في سوق طموح يواجه في الوقت ذاته تحديات هيكلية. نتناول معها ملامح التقدّم بعد إقرار قانون الشركات الناشئة، والصعوبات المرتبطة بتجاوز مرحلة التمويل الأولي، وأسباب بحث المؤسّسين عن آفاق نموّ خارج حدود البلاد.


مشغّلة خبيرة في السوق التونسية


بدأت رحلة منار العبيدي في عالم الشركات الناشئة أثناء دراستها في "المدرسة العليا للتجارة بتونس" (Tunis Business School TBS)، حيث تخصّصت في مجالي المالية وتحليل البيانات للأعمال. خلال دراستها، سعت لاكتساب خبرة عملية، فانخرطت في بيئة ريادة الأعمال التونسية عبر العمل مع عدد من الشركات الناشئة.

كان أول انخراط لها من خلال SgharToon، وهي منصة للعلاج عن بُعد موجهة للأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما عملت مع FabSkill، وهي منصة تكنولوجية للموارد البشرية، حيث أجرت أبحاثاً حول جاهزية الشركات الإفريقية الناشئة للحصول على الاستثمار. وقد مكّنتها هذه التجارب من فهم واقع التحديات والمكافآت التي تواجهها عند العمل في شركة ناشئة، سواء كمشغّلة أو كموظّفة في مراحل مبكّرة.

بعد التخرّج، قررت منار الاستمرار في هذا المسار، فالتحقت بشركة Cynoia. لم يكن لدى الشركة آنذاك موظّف مخصّص للشؤون المالية، فبادرت إلى تولّي هذا الدور بنفسها، وبدأت كمسؤولة مالية. تولّت مسؤوليات تتعلّق بالتخطيط والتحليل المالي، والاستعداد لجولات التمويل، والتواصل مع المستثمرين.

واليوم، تشغل منار منصب المديرة المالية، لكن دورها يتجاوز الشؤون المالية بكثير، إذ تشارك في صنع القرار، وإدارة الاستراتيجية، وتمثيل الشركة على المستوى الدولي، من خلال مشاركتها في مؤتمرات عالمية كبرى.


منصة موحّدة للشركات الإفريقية


تقدّم Cynoia منصة موحّدة للتواصل والتعاون، مصمّمة خصيصاً لتلبية احتياجات الشركات الإفريقية. تهدف المنصة إلى تبسيط سير العمل، عبر استبدال تطبيقات متعددة مثل Zoom، و Google Drive، و Slack بأداة واحدة سهلة الاستخدام. تشمل خدماتها: المحادثات، مكالمات الفيديو، إدارة المشاريع، التقاويم المشتركة، تدوين الملاحظات، وتخزين الملفات على السحابة.

تخدم Cynoia مختلف أنواع المؤسسات الراغبة في تحسين آليات التعاون، من الشركات الصغيرة والمتوسطة، إلى شركات الاتصالات، والجامعات، وحتى صناديق الاستثمار الجريء. ولديها حالياً مكاتب في تونس وفرنسا، كما دشّنت كيانها القانوني ومكاتبها في السنغال أواخر عام 2024، في إطار خطتها للتوسّع في غرب إفريقيا.

أما على صعيد التمويل، فقد جمعت الشركة 850 ألف يورو في جولة التمويل التأسيسية، تلتها جولة جسرية. وهي تستعد حالياً لجولة التمويل من Series A، والتي تستهدف خلالها جمع ما يقارب 5 ملايين يورو، رغم أن الرقم النهائي لا يزال قيد التقييم. وتقول منار: "جولة Series A محطة مفصلية، ويجب أن نكون في كامل الجاهزية قبل الإقدام عليها".


منظومة الشركات الناشئة في تونس: بين الإنجاز والتحدّي


تقدّم منار رؤى ثاقبة حول واقع منظومة الشركات الناشئة في تونس، تجمع بين الإلهام والواقعية. وترى أن قانون الشركات الناشئة الصادر عام 2018 شكّل نقطة تحوّل حاسمة، إذ أرسى إطاراً قانونياً سهّل انطلاق المشاريع الجديدة، وأطلق موجة من الابتكار، خصوصاً في أوساط الشباب.

واليوم، تلاحظ منار توجّهاً متزايداً لدى الطلبة نحو ريادة الأعمال، حيث أصبحت مقرّراتها جزءاً من البرامج الجامعية، وبدأ كثيرون يفضّلون إطلاق مشاريعهم الخاصة بدل اتباع المسارات المهنية التقليدية.

لكن رغم هذا الزخم، لا تزال المنظومة في مراحلها الأولى، وتعاني من فجوات واضحة، خصوصاً في مراحل النموّ بعد التمويل التأسيسي. ورغم وفرة برامج الحاضنات والمسرّعات والمستثمرين في المراحل المبكرة، إلا أن الدعم يقلّ كثيراً عند الانتقال إلى جولات التمويل التالية مثل Series A. وتقول منار: "المؤسس لا يجد نماذج يحتذي بها، وغالباً ما يتعلّم من التجربة والخطأ، لا من المثل الناجحة"، وهو ما يفسّر انخفاض معدّل بقاء الشركات بعد المرحلة التأسيسية.


"وادي الموت"


من التحديات الجوهرية الأخرى، ما يتعلق بالظروف الاقتصادية في تونس. إذ تفرض البلاد قيوداً على التعاملات المالية الخارجية، إلى جانب ارتفاع الضرائب، مما يصعّب على الشركات الناشئة التوسّع أو التشغيل بحرية. وتشير منار إلى أن قوانين مالية جديدة أُقرت عام 2025 أضافت أعباءً ضريبية إضافية، ما زاد الأمور تعقيداً.

كذلك، تعاني الشركات الناشئة من صعوبة في الاحتفاظ بالمواهب، إذ تجتذب الرواتب العالمية المرتفعة الكفاءات المحلية إلى الخارج. وتجد هذه الشركات صعوبة في تقديم عروض مالية منافسة دون الإخلال باستدامتها. ويصف بعض الفاعلين في المنظومة تونس بـ"وادي الموت"، في إشارة إلى البيئة القاسية التي تمنع روّاد الأعمال من الازدهار والنجاح.

لكن، ورغم كل ذلك، تبقى منار متفائلة. إذ تؤمن بإمكانات السوق التونسية، وترى أن كثيراً من المؤسسين يعتمدون حلولاً إبداعية للتغلّب على العقبات، من أبرزها التوسّع خارجياً، كوسيلة للتحرّر من القيود المحلية والدخول إلى أسواق أوسع، متجاوزين بذلك "وادي الموت".


ما بعد تونس: التوسّع الدولي


عند الحديث عن التوسّع خارج تونس، تشير منار إلى أن فرنسا غالباً ما تكون الوجهة الأولى. ويُعزى ذلك إلى عدة عوامل:

• القرب الجغرافي والروابط التاريخية بين البلدين.
• وجود جالية تونسية كبيرة في فرنسا، ما يسهل عملية التوسّع والاندماج.
• بيئة داعمة للشركات الناشئة، إذ توفّر البنوك الفرنسية خيارات تمويل تنافسية، وهناك منظومة ريادية أكثر تطوراً.

لكن دخول الأسواق الجديدة لا يخلو من التحديات. تؤكّد منار على أهمية فهم السوق المحلي وبناء شبكة علاقات قوية. ففي إفريقيا، على سبيل المثال، تطلّبت تجربة Cynoia في السنغال تكييفاً ثقافياً وحضوراً فعلياً في الميدان لبناء الثقة والمصداقية.


أهمية المجتمع والشراكات


تتميّز المنظومة التونسية بحسٍّ عالٍ من المجتمعية. فالمؤسسون والشركات الناشئة مترابطون، وتنتشر ثقافة التعاون والدعم المتبادل. وتشير منار إلى أهمية منصّات مثل The Dot، التي تجمع بين الشركات الناشئة، المسرّعات، وجهات التمويل، لتسهيل تبادل الموارد، والمعلومات، والفرص، والمواهب.


قصص نجاح تُلهم الجيل الجديد


رغم قلّة قصص النجاح الكبرى في تونس، تبرز منار أهمية الدور الذي يلعبه المؤسسون الذين حققوا خروجاً ناجحاً (exits). فنجاح شركة واحدة يمكن أن يُحدث أثراً واسعاً، إذ يعود هؤلاء المؤسسون ليستثمروا ويوجّهوا ويدعموا الجيل القادم من رواد الأعمال.

تستشهد منار بمؤسسي InstaDeep وExpensya كمثالَيْن بارزين. فقد ساهم خروجهما الناجح ليس فقط في ضخّ رؤوس أموال جديدة، بل في إثراء المنظومة بخبرات نادرة، مما يُنشئ حلقة نجاح متواصلة تعزّز الاستدامة والنموّ في بيئة ريادة الأعمال.


نصيحة للمؤسسين التونسيين: تكيفوا، وتواصلوا


تقدّم منار نصيحة بسيطة للمؤسسين الطموحين: كونوا مرنين، وابنوا شبكة علاقات قوية. تشدّد على أهمية التعلّم المستمر، والانفتاح على أساليب عمل جديدة، والرغبة في التعاون ومشاركة المعرفة.

وتضيف أن بناء العلاقات مع مؤسسين آخرين، ومستثمرين، وشركاء في المنظومة، يفتح الأبواب أمام فرص لا تُقدّر بثمن. وتحثّ المؤسسين الشباب على التركيز على التواصل والانخراط في المشهد الريادي المحلي.


نظرة إلى المستقبل


بينما تستعد Cynoia لجولتها التمويلية القادمة، تركّز منار على تعزيز جاهزية الشركة، وتحقيق الأهداف المطلوبة لإقناع المستثمرين.

ورغم التحديات، تواصل منظومة الشركات الناشئة التونسية تطوّرها. فعدد الشركات في ازدياد، وثقافة ريادة الأعمال تترسّخ يوماً بعد يوم. وإذا ما اقترن هذا الزخم بدعم تنظيمي أقوى، وتعاون أوسع، فإن تونس قادرة على أن تكون أرضاً خصبة للمزيد من قصص النجاح الريادية.


اشترك في نشرتنا الإخبارية لتكون أول من يعرف عند صدور مقالات أصوات الصناعة الجديدة!

كن في الطليعة

انضم إلى مجتمعنا المتنامي من عشاق التكنولوجيا، ولا تفوّت أي قصة، أو رؤية، أو تحديث حول التمويل في قطاع التكنولوجيا المزدهر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.