
أتمتة التسويق المؤثر
[قراءة 7 دقائق]
أتمتة التسويق المؤثر
[قراءة 7 دقائق]
في هذا الإصدار من سلسلة كفاح المؤسسين، أجرينا حوارًا مع منصور آل ثاني، المؤسِّس والرئيس التنفيذي لشركة MoonTech، لاستكشاف رحلته التي انطلقت من تجارب أولية في التجارة الإلكترونية، وانتهت بتأسيس منصة مبتكرة للتسويق عبر المؤثرين. فبعد سنوات من التجربة والمراجعة والتعلُّم العملي، لاحظ منصور الفجوات في العلاقة بين العلامات التجارية وصنّاع المحتوى، وقرّر إعادة بناء هذا النظام من الصفر، مستعينًا بالبيانات، والأتمتة، والذكاء الاصطناعي.
البدايات والمشاريع الأولى
بدأت رحلة منصور في عالم التقنية وريادة الأعمال بدافعٍ من شغفه بعلوم الحاسوب، والذي تأثر فيه بأخيه، المهندس البرمجي. دفعه هذا الشغف إلى دراسة علوم الحاسوب في جامعة الشارقة، لكن مع بداية عامه الثاني، بدأ تركيزه يتحوّل نحو عالم الأعمال.
دفعه هذا الاهتمام الجديد إلى إطلاق علامة تجارية في مجال التجارة الإلكترونية، وهو لا يزال طالبًا. لكنّه اصطدم سريعًا بحاجزٍ لم يكن يتوقّعه: افتقاره للخبرة التسويقية اللازمة لتوسيع النشاط. وبينما شعر بالإحباط، لم يفقد عزيمته، وبدأ يبحث عن فرص خارج القاعات الدراسية. قادَه هذا البحث إلى فرصة تدريبية عبر برنامج تبادل طلابي مع شركة MakoLab، وهي شركة مقرّها في بولندا. وهناك، عمل لمدة شهرين على مبادرات التسويق الإلكتروني، مركّزًا تحديدًا على تحسين محركات البحث (SEO) باللغة العربية. يقول: "كانت تجربة صعبة من حيث التعلُّم، لكنها فتحت عيني على أشياء كثيرة".
بعد عودته من بولندا، خطا خطوةً أخرى نحو ريادة الأعمال، وأطلق وكالة تسويق صغيرة بالشراكة مع ابن عمه عبد الله آل ثاني. لكن خلال ستة أشهر فقط، اصطدم بالواقع. يعترف: "أنفقت أغلب أموالي على التراخيص والإيجارات والرواتب". وسرعان ما أدرك أنه لم يكن مستعدًا بعد لإدارة مشروع بدوام كامل. يعلّق على تلك الفترة قائلًا: "تلك اللحظة كانت من أفضل الأشياء التي حدثت لي". قرّر وقتها أن يبني خبرته أولًا، وقال لابن عمه: "سأنضم إلى شركة الآن، وبعدها أعود ونبني شيئًا معًا".
بوابة الدخول إلى التسويق بالعمولة
حين انغمس منصور في عالم التجارة الإلكترونية والتسويق الرقمي، اكتشف وجود لاعبين رئيسيين في المنطقة، هما Namshi و Souq.com، وكان كلاهما يشهد نموًا متسارعًا، بينما بدأت كبرى شركات التجزئة دخول السوق الرقمي.
يقول: "قدّمت على عدة شركات، بينها مجموعة شلهوب وشركة Namshi. ورغم أن عرض Namshi كان براتبٍ أقل، إلا أن شيئًا ما جعله يختار تلك الفرصة.
كانت خبراته السابقة قد ساعدته على بناء علاقات مع مؤثرين ويوتيوبرز، لكن العمل في Namshi فتح له آفاقًا جديدة. هناك، عمل تحت إشراف مديره عمرو أبو العينين، الذي علّمه كل ما يعرفه عن التسويق الرقمي، وأصبح مرشده المهني منذ ذلك الحين. يقول منصور: "تعلّمت منهم الكثير، كانوا منظمين وسريعين وفعّالين بدرجة مدهشة". وهناك تعرّف لأول مرة على آليات التسويق بالعمولة، حيث تحصل المواقع على عمولة مقابل إحالة الزوار.
يضيف: "أروني كيف يتم تشغيل قناة التسويق بالعمولة بالطريقة الصحيحة". ودائمًا ما كان يسعى للتجديد، فطرح فكرة جريئة: "بدلًا من دفع عمولات للمواقع، لماذا لا نكافئ المؤثرين مباشرة؟". لاقت الفكرة استحسان مديره عمرو، وكذلك حسّام عرب، أحد مؤسسي Namshi، اللذَين دعما الفكرة.
كانت النتيجة فورية ومدهشة؛ إذ قفز عدد الطلبات اليومية من 1000 إلى 2000، ثم 5000، حتى بلغ 10,000 طلب في اليوم.
خلال فترة عمله في "Namshi"، حظي منصور بفرصة العمل مع بعض أبرز روّاد التجارة الإلكترونية في المنطقة، مثل حسّام عرب، وفراز خالد، وهشام زركه. وخلقت تلك العلاقات، إلى جانب فهمه المتعمّق للسوق، أساسًا للخطوة التالية في رحلته: تأسيس شركة Itcan.
ولادة Itcan
بعد سنة ونصف من العمل في Namshi، عادت إليه رغبة ريادة الأعمال. قرّر الانطلاق من جديد وأطلق وكالة تسويق رقمي قائمة على الأداء، وكان أوّل عملائه Namshi نفسها.
منذ اليوم الأول، تأسّست Itcan على ثلاث ركائز: المعرفة، والابتكار، والعلاقات القوية. هذه المبادئ كانت وقودًا لنموها، حتى أصبحت وكالة موثوقة من كبرى الشركات في المنطقة، مثل مجموعة شلهوب، Landmark Group، مجموعة جمجوم. خلال تسع سنوات، نمت Itcan لتضم أكثر من 100 موظف، وتعمل من عدة مكاتب إقليمية.
بناء MoonTech
رغم نجاح Itcan، بدأ منصور يلاحظ مشاكل متزايدة في مجال التسويق عبر المؤثرين. يقول: "منذ حوالي عام ونصف، بدأنا نرى احتكاكات حقيقية بين الوكالات والعلامات التجارية. كانت شركات التجارة الإلكترونية قادرة على الإعلان مباشرة عبر منصات مثل TikTok وSnapchat وMeta، بطريقة مؤتمتة، بينما ظل التسويق عبر المؤثرين عالقًا في الماضي".
كانت العملية تعتمد على إرسال الإيميلات وانتظار الردود، وكل شيء قائم على الحدس لا على البيانات، ما أدى إلى هدر الميزانيات وضياع الفرص.
وفي الوقت نفسه، كان الذكاء الاصطناعي يتطور بوتيرة مذهلة. رأى منصور فرصة واضحة: بناء محرّك ذكاء اصطناعي يربط العلامات التجارية بالمؤثرين بطريقة أذكى من أي تدخل بشري. يقول: "مع تطوّر أدوات الاستماع الاجتماعي، أصبح من السهل فهم محتوى المؤثرين، وجمهورهم، والمواضيع الرائجة". وهكذا وُلدت فكرة MoonTech، منصة تقنية تهدف إلى أتمتة وتحسين التسويق عبر المؤثرين باستخدام الذكاء الاصطناعي.
قوة الذكاء الاصطناعي
من أبرز ابتكارات MoonTech خوارزمية التسعير الديناميكي، وهي عنصر أساسي في محرّكها الذكي. يوضح منصور: "التسعير الديناميكي يتيح لنا تقييم قيمة كل منشور يقدّمه المؤثّر في الزمن الحقيقي".
في الوضع التقليدي، يرفع المؤثرون أسعارهم مع تزايد شهرتهم، حتى لو تراجعت تفاعلاتهم. لذلك، تعتمد MoonTech نموذجًا قائمًا على الدفع عند النتائج (Cost-per-sale)، تمامًا كما طبّقوه في Namshi. فالعلامات التجارية لا تدفع إلا عند تحقيق نتائج، والمؤثر يُكافأ حسب أدائه. هذا يُنتج لاحقًا قاعدة بيانات غنية تساعد في اتخاذ قرارات دقيقة في الزمن الفعلي.
يُضيف: "لا نحلّل المؤثر مرة واحدة، بل نُحدّث ملفه باستمرار بناءً على تطوّره". وهذا يسمح للمنصة بفهم أعمق وأكثر دقّة لكل مؤثر، وتقديم تطابقات ذكية بين العلامات التجارية والمؤثرين المناسبين فعلًا لجمهورهم المستهدف.
يعطي مثالًا عن مؤثرة شاركت تجربتها في الحمل، والتي انسجمت تمامًا مع علامة مثل Mumzworld، ما أدى إلى قفزة كبيرة في المبيعات. ويعلّق: "لقد نجح الأمر لأن المحتوى كان مناسبًا للعلامة، ونظامنا التقط هذا الانسجام".
المؤثرون والعلامات التجارية على المنصة
تخدم منصة MoonTech مجموعة واسعة من الصناعات، وتُحقّق نجاحًا خاصًا في مجالات الأزياء، والجَمال، والمنتجات الفاخرة. من أبرز عملائها: Sephora، Faces، وBloomingdale's، كما تستكشف شراكات محتملة مع Amazon وNoon.
تقوم فلسفة المنصة على مبدأ واضح: التأثير لا يُقاس بعدد المتابعين. يقول منصور: "ننظر إلى جميع المؤثرين، من المايكرو إلى الماكرو، ما يهم هو تأثيرهم الفعلي". إذ يمكن لمؤثر صغير أن يُحقّق مبيعات أكثر من مؤثر ضخم، حسب مستوى التأثير الحقيقي.
ومن جهة العلامات التجارية، لا تعمل MoonTech كوكالة، بل كمنصة. يوضّح منصور: "العلامات التجارية تسجّل، تتكامل مع المنصة، وتستخدم أدواتنا للتعاون مباشرة مع المؤثرين". ويضيف أن الخروج من المنصة يعني خسارة مزاياها، كبيانات الزمن الفعلي، وتتبع الأداء، واكتشاف مؤثرين جدد.
الهدف النهائي؟ بناء ما يُشبه Google Ads للتسويق عبر المؤثرين: مؤتمت بالكامل، ومدعوم بالبيانات، لا مجرّد سوق للمؤثرين. فالحملات تُطلق، ويتلقّى المؤثرون كل التفاصيل تلقائيًا: من الموجز إلى المحتوى والشروط.
دمج التكنولوجيا المالية مع التسويق
طوّرت MoonTech بنية تحتية في مجال التكنولوجيا المالية (Fintech) باستخدام مزوّد خارجي، لحل مشكلة رئيسية يعاني منها المؤثرون: تأخّر المدفوعات.
يشرح منصور: "العلامات التجارية تشحن رصيدًا مسبقًا، ما يسمح لنا بدفع مستحقات المؤثرين بسرعة". ويتلقى المؤثرون هذه المدفوعات في محفظة رقمية مرتبطة بحساباتهم على MoonTech، ما يُسهّل عليهم الوصول إلى أرباحهم واستخدامها.
ويُضيف: "الهدف أن تعمل المنصة كأداة AdTech حقيقية، حيث تُطلق الحملات ويُشحن الرصيد أو يُدفع حسب الاستخدام، نحن لسنا هناك بعد، لكن هذا هو المسار الذي نسلكه".
تعمل MoonTech أيضًا على تطوير أدوات تساعد المؤثرين على إدارة أرباحهم بشكل أفضل، خاصّةً أن كثيرين منهم ليست لديهم الخبرة الكافية للتوفير أو الاستثمار.
الطريق نحو التمويل
يقول منصور: "نحن نستعد حاليًا للجولة الأولى من التمويل، وهي خطوة مثيرة، لكن الطريق لم يكن سهلًا". ويُضيف: "السرعة كانت تحدّيًا حقيقيًا في مرحلة تطوير المنتج، كنا نبني ونتعلّم في الوقت ذاته، وكان ذلك مرهقًا لكنه مليء بالحماسة".
وكان أحد التحديات الكبرى هو بناء الفريق المناسب. فبينما تتوفر خبرات قوية في الوكالات ومهارات تقنية وفيرة، كان العثور على من يجمع بين العالمين أمرًا صعبًا. يقول: "ذلك المزيج نادر، لكن العثور عليه يُحدث فرقًا هائلًا".
رغم هذه التحديات، واصلت MoonTech تقدّمها. ومع تحسّن المنتج وزيادة الزخم، قرّر الفريق التقدُّم إلى برنامج Sandbox، وهو مسرّعة أعمال تابعة لـOraseya Capital، وهي شركة استثمارية مدعومة من حكومة دبي. وقد تلقّت المسرّعة أكثر من ألف طلب، واختيرت MoonTech ضمن 23 شركة فقط.
ويختم منصور: "قدّمت لنا المسرّعة دعمًا عمليًا، وساعدتنا في ترتيب غرفة البيانات (Data Room) والاستعداد لمخاطبة المستثمرين".
خطط التوسّع
يُشارك منصور درسًا محوريًّا تعلّمه خلال رحلته الريادية، قائلًا: "بالنسبة لي، كلّ شيء يتمحور حول الاستماع إلى البيانات أكثر من الآراء. كثير من الشركات تُدار بالاعتماد على الآراء، ولهذا السبب تفشل."
فيما يتعلّق بمستقبل شركة MoonTech، تركّز الشركة خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة على النمو داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. غير أنّ منصور يحمل طموحات عالمية على المدى البعيد. يقول: "المنصّة التي نبنيها قابلة للتوسّع، وبعد خمس سنوات، نرى أنفسنا نتوسّع عالميًّا."
وبالنسبة إلى استراتيجية التوسّع، يرى منصور أنّ بناء شراكات قوية وتأسيس منصّة موحّدة لتسويق المؤثّرين يمكن أن يُنتج منظومة فعّالة. ويضيف: "أرغب في أن أكون جزءًا من شيء أكبر، حيث نتعاون مع جهات أخرى في القطاع لتشكيل كيان واحد وقوي."
اشترك في نشرتنا الإخبارية لتكون أول من يعرف عند نشر قصص جديدة من "كفاح المؤسسين"!