
الخدمات المصرفية العابرة للحدود في MENA
[قراءة 7 دقائق]
في هذا العدد من سلسلة Founder's Hustle، نسلّط الضوء على ماهر عياري (Maher Ayari)، الذي قادته تجربته كرحّالة رقمي لاكتشاف فجوة حاسمة في النظام المالي العالمي، ما ألهمه لإطلاق شركة Sorbet، وهي شركة ناشئة تهدف إلى تقديم خدمات مصرفية بلا حدود للعاملين عن بُعد والشركات الصغيرة والمتوسطة، بدءًا من السعودية وصولًا إلى مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
بداية الحكاية: رحّالة رقمي، لقاء قديم، وفكرة جديدة
تنطلق قصة Sorbet من صداقة جامعية قديمة. فقد التقى ماهر وصديقه المؤسّس الشريك رامي لأول مرة كطلّاب في مدينة مونتريال، حيث كان ماهر يدرس المالية في جامعة McGill، فيما كان رامي يتعمّق في علوم الحاسوب بجامعة Concordia. جمعتهما شغفٌ مشترك بعالم الشركات الناشئة والتقنية، لكن بعد التخرّج، مضى كلٌّ منهما في طريقه.
التحق ماهر لاحقًا بشركة رأس المال الاستثماري Real Ventures، ثم انضم إلى Techstars، وساهم في نمو شركة Breathe Life، وهي شركة تكنولوجيا مالية مقرّها مونتريال، حتى استحواذها. في المقابل، انضم رامي إلى فريق الذكاء الاصطناعي في Deloitte، حيث طوّر خبرته في تعلّم الآلة وهندسة الأنظمة.
ومع مرور السنوات، استقال الاثنان من وظيفتيهما صيف عام 2023، كلٌّ بشكل مستقل، مدفوعَين بالقناعة ذاتها: أن تقنيات Web3 تحمل إمكانات غير مستغلّة لحل مشكلات حقيقية. كان ماهر يعيش كرحّالة رقمي في أمريكا الجنوبية، بينما يعمل رامي كمطوّر مستقل في مجال البلوك تشين في جنوب شرق آسيا.
ورغم وجودهما على طرفَي الكرة الأرضية، لاحظا الظاهرة نفسها: جيلٌ جديد من المواهب في الأسواق الناشئة يتقاضى أجوره بالعملات المستقرة مثل USDT وUSDC، لا من باب التفضيل، بل بدافع الضرورة. فأنظمة الدفع التقليدية مثل PayPal مثقلة بالرسوم المرتفعة، وقيود الحسابات، والعمليات المعقدة. لذا، أصبحت العملات المستقرة حلًا بديلًا، لكن فقط لمن يمتلك الدراية التقنية الكافية للتعامل مع المحافظ الرقمية، ورسوم الغاز، والمعاملات على السلسلة (on-chain).
في أحد المقاهي، كتب ماهر مقالًا قصيرًا حول هذه الظاهرة المتنامية. قرأه رامي عبر LinkedIn. كانت الرسالة واضحة: "لنُنشئ شيئًا أفضل."
تحديث المدفوعات العابرة للحدود
في البداية، كانت الفكرة أوسع. كان رامي يعمل على مشروع Thriven، وهو سوق حُرّ شبيه بـLinkedIn لكن على البلوك تشين، يستهدف المستقلّين. ومع تقدّم النقاشات، أدرك مع ماهر أن العائق الأكبر أمام المستقلّين ليس إيجاد العمل، بل تلقّي الدفعات.
وفي أواخر 2023، التحق رامي بدفعة Antler الأولى في الرياض لاستكشاف الفكرة بشكل أعمق. وبعد بضعة أسابيع، تواصل مع ماهر باقتراح محوري: بدلًا من بناء سوق شامل، لم لا نركّز على المشكلة الأكثر إلحاحًا، والتي واجهناها بأنفسنا، والتي بدأت تشهد زخمًا في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا — ألا وهي: تلقّي الدفعات.
سافر ماهر إلى الرياض للانضمام إلى رامي، وشرعا في بناء طبقة دفع وتحويل مالي مدعومة بالعملات المستقرة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي سوق لا تزال مفتوحة بلا فاعل رائد يجسر بين عالم العملات الرقمية والخدمات المالية الواقعية. وكان هدف Sorbet أن تغيّر هذا الواقع.
بحلول ديسمبر 2023، أنهى الفريق برنامج Antler، وحصل على تمويل تمهيدي، وبدأ العمل رسميًا على بناء Sorbet.
المشكلة
في عالم تُرسل فيه الرسائل حول العالم في ثانية وبالمجان، لا تزال عمليات تحويل الأموال تعاني من بطء وتكلفة وتعقيد. فالمدفوعات الدولية تخضع لبنية تحتية مجزّأة تشمل أنظمة مثل ACH وSEPA وSWIFT، جميعها محكومة بالحدود الزمنية والمصرفية، ومليئة بالوسطاء الذين يأخذون نصيبهم من الرسوم.
منصة قائمة على البساطة
تقوم فلسفة Sorbet على مبدأ بسيط: لا ينبغي أن تكون خبيرًا بالعملات الرقمية للاستفادة منها. فمنذ اليوم الأول، كان الهدف هو جعل المدفوعات بالعملات المستقرة سلسة وبلا تعقيد — لا محافظ، لا رسوم غاز، ولا مصطلحات تقنية معقّدة.
في الخلفية، تستخدم المنصة بنية العملات المستقرة لنقل الأموال بسرعة وتكلفة منخفضة، لكن من منظور المستخدم، كل شيء يبدو طبيعيًا ومألوفًا: منصة سهلة، تدعم مدفوعات عابرة للحدود، بلا احتكاك.
الخطوات الأساسية:
التسجيل: يبدأ المستخدم بتسجيل بريده الإلكتروني، وتقوم Sorbet بإنشاء محفظة غير حافظة (non-custodial) مرتبطة بالحساب تلقائيًا — معظم المستخدمين لا يدركون حتى أنها موجودة. هذه المحفظة تمكّنهم من تلقّي عملة USDC على شبكة Base دون الحاجة لأي معرفة بالعملات الرقمية. كما يُطلب منهم إكمال إجراءات "اعرف عميلك" (KYC) لبدء تلقّي المدفوعات بالدولار أو اليورو.
تلقّي المدفوعات: يمكن للأفراد والشركات إصدار فواتير بالدولار أو اليورو، دون حاجة العميل إلى حساب على Sorbet — يكفي أن يتلقى بريدًا إلكترونيًا ويتاح له الاختيار بين الدفع عبر العملات المستقرة (USDC على Base) أو وسائل تقليدية كـACH أو التحويل البنكي. قريبًا، ستُضاف خيارات أخرى مثل الدفع بالبطاقات الائتمانية والجنيه الإسترليني وغيرها من العملات.
التحويل والاستخدام: تُحوّل المدفوعات مباشرة إلى USDC وتُرصَد في رصيد المستخدم، ليصبح قادرًا على تحويل الأموال عالميًا، أو استخدام الرصيد عبر بطاقات دفع خاصة بـSorbet، أو سحب الأموال قريبًا إلى حسابات مصرفية محلية في أكثر من 150 دولة مثل السعودية ومصر، عبر شراكات مع مزوّدين مثل Walapay. والهدف على المدى البعيد هو التكامل الرأسي مع هذه البنية التحتية.
المدفوعات بالعملات المستقرة ليست سوى البداية
"العملات المستقرة مثل USDC تغيّر عالم المدفوعات — لكنها ليست سوى البداية"، يقول ماهر. "التحوّل الحقيقي سيكون فيما يُبنى فوقها." فمع تحوّل USDC إلى معيار أساسي، ستنتقل الميزة إلى الخدمات المصرفية المبنية أصلاً على هذه العملات: مثل الرواتب المؤتمتة، والحسابات التي تولّد عائدًا، والمصرفية العابرة للحدود — وكلها مؤتمتة وقائمة على الثقة البرمجية (trustless).
ترى Sorbet في العملات المستقرة بنية تحتية جديدة لنظام مالي عالمي موجَّه للمستقلّين والشركات الصغيرة.
لماذا الآن؟ ولماذا الشرق الأوسط؟
رغم أن المدفوعات العابرة للحدود بالبلوك تشين طالما شُيّعت وذُكرت في الأوساط التقنية، يؤمن ماهر بأن الظروف أصبحت مناسبة اليوم. "البنية التحتية باتت جاهزة"، يوضح، "هناك لاعبون مثل Circle (جهة إصدار USDC) يبنون الشبكات، والتشريعات أصبحت أكثر نضجًا. في السابق، كان المشهد أقرب إلى الغرب المتوحّش."
ومع بلوغ حجم مدفوعات العملات المستقرة مستوى يضاهي — وأحيانًا يتجاوز — حجم Visa وPayPal، بدأ الاستخدام الواقعي يواكب الطموحات. وفي ظل التوجّه السعودي لدعم الابتكار المالي، ووجود أكثر من 1.3 مليون شركة صغيرة ومتوسطة (معظمها متناهية الصغر)، يبدو السوق جاهزًا.
"لست بحاجة لمعرفة ما هي USDC"، يشرح ماهر. "ما يهم هو أن أموالك تصل بسرعة وتكلفة منخفضة، دون التعقيدات المعتادة."
انطلاقة قوية
بعد عام من التطوير، أطلقت Sorbet إصدارًا تجريبيًا مغلقًا في مارس 2025. ورغم محدودية خدمات التحويل إلى البنوك (off-ramping)، تمكّن الفريق من جذب أكثر من 1,000 مستقلّ من مصر، المغرب، نيجيريا، والإمارات، ومعالجة ما يفوق 200 ألف دولار من المعاملات خلال أول 8 أسابيع.
تتمحور استراتيجيتهم في دخول السوق حول نهجين:
التوزيع المحلي: شراكات مع برامج الحاضنات، والحكومات، ومسرّعات الأعمال، ليصبح Sorbet البنية المالية الافتراضية للشركات الناشئة في السعودية.
التكامل العالمي: بناء المنصة لتتكامل مع أدوات محاسبية وخدمات مالية مكمّلة، بهدف التوسّع عبر البيع المتبادل (cross-selling).
التحديات المتبقية في البنية التحتية
رغم جاهزية البنية التحتية للعملات المستقرة، فإن البناء فوقها لا يتم بضغطة زر. لا تزال Sorbet تواجه قرارات حاسمة، خصوصًا في اختيار الشركاء التقنيين المناسبين لرؤية الشركة. "هناك عشرات الأدوات التي تقدّم الخدمة نفسها"، يقول ماهر، "لكن عليك أن تختار بعناية من تراهن عليه."
التحدّي مزدوج: اختيار شركاء يتماهون مع رؤية Sorbet، وفي الوقت ذاته، الحفاظ على الهوامش الربحية وتقليل التبعية. "نُطلق عليه اسم 'شطيرة العملات المستقرة'،" يشرح ماهر. "لكي نتحرّك بسرعة، نحتاج للتكامل مع عدّة شركاء — لكن كل طبقة نضيفها تقتطع من هوامشنا وتزيد من تبعيتنا."
ولهذا، تتّبع Sorbet نهجًا مرحليًا: الالتزام بالامتثال منذ اليوم الأول، الاعتماد على الشركاء للانطلاق، ثم نقل البنية التحتية الأساسية داخليًا مع نموّ الشركة.
الرؤية — وما يبقي الفريق مستيقظًا ليلًا
متأثرة بتجارب Brex وMercury، تطمح Sorbet إلى بناء خدمات مصرفية قائمة على البلوك تشين في الشرق الأوسط، لا مجرّد رقمنة النماذج التقليدية، بل إعادة ابتكارها بالكامل، لخلق قيمة جديدة للمؤسسات من خلال ميزات مثل توليد العوائد تلقائيًا، التسوية اللحظية، وتدفّقات مالية مدمجة — وكلها مؤمّنة ومؤتمتة على السلسلة.
الهدف البعيد؟ أن تصبح Sorbet الطبقة المالية الأساسية للشركات الصغيرة والمتوسطة المرتبطة عالميًا في السعودية والمنطقة: من تلقّي المدفوعات الدولية، إلى دفع أجور المتعاقدين، إلى التحويلات العابرة للحدود نحو مصر، باكستان، وغيرها.
لكن وتيرة الابتكار لا ترحم — وغالبًا ما تكون غير متوقّعة. "لا يمكنك بناء شركتك في عزلة،" يقول ماهر. "أحيانًا، يمكن لخبر واحد من لاعب كبير أن يعيد رسم خارطة الطريق بالكامل."
بالنسبة لـSorbet، فإن الحفاظ على المرونة، والانفتاح على تغيّرات القطاع، والاستعداد للتكيّف، هو في الوقت ذاته التحدّي... والمِيزة.
اشترك في نشرتنا الإخبارية لتكون أول من يعرف عند نشر قصص جديدة من "كفاح المؤسسين"!