
تطوير البنية التحتية للأسواق الخاصة في MENA
[قراءة 6 دقائق]
تتناول سلسلة كفاح المؤسسين هذا الأسبوع مسيرة روان بدور. وعندما تستعيد روان تجربتها المهنية، يتضح أمر واحد: شغفها ببناء الأمور من الصفر، وتحدّي "العمل كما هو معتاد"، وتفكيك العمليات ثم إعادة بنائها بشكل أقوى وأكثر فاعلية. هذا الدافع قادها من العمل في القطاع المصرفي والاستشارات الاستراتيجية إلى عالم ريادة الأعمال، وصولاً إلى مشاركتها في تأسيس Zest Equity، وهي منصّة تهدف إلى تمكين المعاملات في الأسواق الخاصة داخل المنطقة.
شرارة ريادة الأعمال
نشأت روان في الأردن، وكانت شغوفة بحلّ المشكلات والرياضيات والاقتصاد، وهو فضول دفعها لدراسة الاقتصاد الكمي في بوسطن. وتصف تلك المرحلة قائلة: "كان ذلك من أصعب ما قمت به في حياتي."
بعد فترة قصيرة من العمل في السياسات الاقتصادية وتطوير القطاع العام، انتقلت إلى القطاع الخاص، حيث التحقت بأحد البنوك الأردنية في منصب فريد جمع بين الاستراتيجية والحوكمة والعمليات. وتقول: "كنت أستمتع بتفكيك العملية وإعادة تركيبها." وقد شكّل ذلك التجربة التي أشعلت لديها روح ريادة الأعمال.
لاحقاً، أنهت روان دراستها لنيل ماجستير إدارة الأعمال (MBA) في مدريد، قبل أن تمضي سبع سنوات مع المجموعة نفسها ولكن هذه المرة في إدارة شركة الاستثمار التابعة لها في مركز دبي المالي العالمي. وهناك، طوّرت خبرة عميقة في مجالات التشريعات، والامتثال، وإدارة أصحاب المصلحة. ومع ذلك، عادت إليها فجأة "حكّة" الريادة من جديد، كما تقول: "كانت التجربة رائعة، لكنني احتجت إلى العودة للبناء من جديد."
في تلك الفترة، شاركها صديق الطفولة زهير شمّا إحباطه من تعقيدات وعدم سيولة المعاملات في الأسواق الخاصة. عندها قرّرا معاً إطلاق Zest Equity، لإعادة تصميم الطريقة التي تُنفَّذ بها صفقات الأسواق الخاصة بشكل جذري.
منصّة لحلول السيولة
وُلدت Zest Equity من معاناة حقيقية عاشها المؤسِّسان. فبالنسبة إلى زهير شمّا، جاءت سنوات من الاستثمار الملائكي عبر منطقة MENA لتُثمر عن محفظة قوية، لكن دون أي مسار للسيولة. إذ كانت صفقات التخارج الثانوية صغيرة الحجم باهظة الكلفة، متشابكة بتعقيدات الحوكمة، وتتطلّب موافقات مجالس الإدارة، ما جعل من شبه المستحيل على الشركات استيعابها أو على المستثمرين الملائكة الخروج من استثماراتهم.
أما روان بدور فقد رأت الصورة من الجهة الأخرى، بصفتها مستثمرة عالمية؛ إذ بدت أسواق المنطقة الخاصة غامضة، وفرص الوصول محدودة على الدوائر الداخلية، فيما كانت البيانات الموثوقة والأداء المُثبت شبه غائبة.
كان التصوّر الأول لزست واضحاً: إنشاء سوق لحلول السيولة يربط بين الشركات التي يرغب مساهموها في بيع حصصهم والمستثمرين الباحثين عن التعرّض لصفقات الأسواق الخاصة في مراحلها المبكرة. وبذلك، يتمكّن المساهمون من تسييل حصصهم من دون التأثير على جولات التمويل أو التقييمات، فيما يحصل المستثمرون على وصول مباشر إلى بيانات ووثائق موثوقة مصدرها الشركات نفسها. غير أنّ الفكرة، كما هو حال كثير من الشركات الناشئة، تطوّرت سريعاً.
التحوّل إلى طبقة البنية التحتية
حين بدأ المؤسسان روان وزهير الحديث مع روّاد الأعمال بحثاً عن أوائل العملاء المهتمين بالحلول التي يقدّمونها، برزت مفاجأة: لم تكن معظم الشركات بحاجة إلى من يجد لها مشترين ثانويين؛ بل كانت المشكلة الحقيقية في التنفيذ. فإمّا أن المؤسسين لم يعرفوا كيفية إتمام الصفقات الثانوية، أو وجدوا العملية مكلفة ومعقّدة للغاية. حتى أنّ بعضهم سأل ببساطة: هل يمكننا استخدام الأدوات التي طوّرتماها لإنجاز صفقاتنا؟
وجاء هذا الانطباع متكرّراً عبر النظام البيئي بأكمله. مكاتب العائلات، وشركات الملكية الخاصة، وروّاد الأعمال، وصناديق رأس المال الجريء (VCs)، وحتى المستثمرون الملائكة، جميعهم عبّروا عن الإحباط ذاته: الكثير من الاحتكاك في تنفيذ أبسط الصفقات. وتقول روان: "عليك أن تُصغي إلى السوق، لكن تحتاج أيضاً إلى قدر من العناد في رؤيتك. التحدّي في المراحل الأولى هو إيجاد هذا التوازن."
بدلاً من الاكتفاء بسوق للصفقات الثانوية يربط البائعين بالمشترين، تطوّرت زست سريعاً من منصّة تركز على رأس المال الجريء إلى طبقة بنية تحتية محايدة للأصول. واليوم، تمكّن المنصّة من تنفيذ الصفقات الأولية والثانوية عبر رأس المال الجريء (VC)، والملكية الخاصة، والعقارات، مع تولّي مهام التنفيذ، وإنشاء المركبات ذات الغرض الخاص (SPVs)، والامتثال، وتدفق العمل بسلاسة في الخلفية.
"أنابيب" صفقات الأسواق الخاصة
على نحو أكثر تحديداً، تقوم Zest Equity برقمنة سير عمل تنفيذ الصفقات، وجمع جميع الأطراف المعنيين في منصة واحدة تتيح تواصلًا أكثر سلاسة وشفافية.
يحصل جميع الأطراف منذ البداية على وصول كامل إلى جميع المستندات، فيما تُدمج المنصة عمليات الامتثال وفق معايير مؤسسية تشمل مكافحة غسل الأموال (AML)، ومعرفة العميل (KYC)، وغير ذلك من الضوابط. وهذا ما يسهّل عمليات الاستثمار المشترك، ويتيح للشركات ضمّ مستثمرين جدد بسهولة، ويمنع أي مفاجآت غير مرغوبة عند التدقيق التفصيلي في جداول المساهمين خلال المراحل المتقدمة من التمويل.
وسّع هذا التحوّل حالات استخدام زست لتتجاوز بكثير نطاق الصفقات الثانوية للشركات الناشئة. فقد بدأت مكاتب العائلات باستخدام المنصة لاستقطاب مستثمرين مشاركين في المركبات ذات الغرض الخاص (SPVs)، فيما اعتمدتها صناديق رأس المال الجريء لتشغيل مركبات الاستثمار المشترك. أما الشركات الناشئة السريعة النمو فاستعانت بها لتنظيف جداول المساهمين، عبر دمج عدد كبير من المستثمرين الصغار في مركبة واحدة تُسجَّل كسطر واحد فقط قبل جولات تمويل من الفئة A أو B. حتى المؤسسون الجدد والمجموعات الاستثمارية الملائكية وجدوا في زست قيمة واضحة بفضل سهولة إنجاز الصفقات. وبفضل حيادها تجاه نوع الأصل واعتمادها نهجاً تقنياً بالدرجة الأولى، تطوّرت زست لتصبح بمثابة "أنابيب" صفقات الأسواق الخاصة.
بناء الثقة مع العملاء المحتملين
في الأسواق الخاصة، لا تُعتبر الثقة خياراً، بل هي شرط أساسي لممارسة الأعمال. وقد أدركت روان وفريقها منذ البداية أنّ تبنّي المنصة لن يتحقق عبر البيع المباشر، بل عبر ترسيخ المصداقية. وتقول روان: "في البداية كان الأمر كله يدور حول الإصغاء. لم نطلب من العملاء أن يخاطروا كثيراً، كانوا سينفذون صفقاتهم على أي حال، وكل ما فعلناه هو أننا قدّمنا لهم طريقة أنظف وأكثر سلاسة للقيام بذلك."
انبثقت هذه المصداقية من الانسجام بين مؤسسي الشركة. فقد أضافت خلفية روان المؤسسية بُعداً من الهيكلة والحوكمة والانضباط المؤسسي، بينما جلبت خبرة زهير شمّا في المصرفية الاستثمارية، إلى جانب شخصيته السريعة الإيقاع الميّالة إلى التنفيذ والتجريب، بعداً من السرعة والاستعداد للمغامرة. معاً، حققا التوازن بين الصرامة والمرونة، ونجحا في تقديم منتج يجمع بين الابتكار والشعور بالأمان.
ولتعزيز الثقة أكثر، عملت زست منذ اليوم الأول وفق عمليات بمعايير مؤسسية رفيعة. فقد تعاونت مع أبرز المحامين المتخصصين في الهيكلة، واستعانت بأفضل مكاتب المحاماة لمراجعة أطر عملها، كما تعاملت مع إداريين ذوي خبرة لضمان أن يلبّي كل SPV وكل صفقة أعلى المعايير.
هذا المزيج من التنفيذ الدقيق ونقاط الدخول منخفضة المخاطر ساعد على اجتذاب أوائل العملاء. وبعد ثلاث أو أربع صفقات نُفّذت بسلاسة، تولّى الكلام المتناقل زمام المبادرة، وأصبحت التوصيات الموجة التالية من المتبنّين الأوائل.
الملف المثالي للصفقات
تركّز Zest Equity في المرحلة الأولى على الصفقات التي لا تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار، وهو حدّ قد يبدو اعتباطياً، لكنه كشف عن فجوة حقيقية في السوق. فقد لاحظت روان وزهير أنّ الشركات، سواء كانت تسعى لجمع 4 ملايين دولار أو 100 مليون دولار، تواجه التحديات نفسها تقريباً: جمع الأطراف المعنيين حول طاولة واحدة، إدارة عمليات العناية الواجبة (Due Diligence)، تنسيق إجراءات معرفة العميل (KYC) للمستثمرين، والتعامل مع اتصالات أصحاب المصلحة. وغالباً ما تأتي هذه التعقيدات بتكاليف متشابهة، بغض النظر عن حجم الصفقة.
الصفقات الأكبر عادةً ما تمتلك ميزانيات أكبر ودعماً من مؤسسات كبرى أو بنوك استثمارية لإدارة هذه العمليات، بينما تفتقر الصفقات الأصغر إلى مثل هذه الموارد، ما يترك قادة الصفقات يواجهون هذه التحديات بمفردهم. من هنا جاءت مهمة زست: توفير حوكمة مؤسسية عالية المستوى وسير عمل مُبسّط لهذه الصفقات الصغيرة والمتوسطة، بما يخفض التكاليف التشغيلية والقانونية.
مكمّلة لدور المستشارين القانونيين
من المهم الإشارة إلى أنّ زست لا تحلّ محل الدور الجوهري للمستشارين القانونيين في التفاوض على الصفقات وصياغة الوثائق، مثل مذكّرات SAFE Notes أو اتفاقيات المساهمين، إذ تبقى هذه المسؤوليات بيد الأطراف المعنيين ومحاميهم.
لكن زست تركّز على إتاحة الوصول إلى البنية التحتية التشغيلية المحيطة بهذه الصفقات، ولا سيما ما يتعلّق بإنشاء المركبات ذات الغرض الخاص (SPVs) وصيانتها المستمرة، ما يجعل عملية تنفيذ الصفقات أكثر قابلية للتوسع وأقل كلفة. وتعمل المنصّة دائماً على أساس التعليمات، لخدمة العملاء وتلبية متطلبات أصحاب المصلحة المرتبطين بالصفقة.
المتبنّون الأوائل
كان أوائل المتبنّين لمنصّة Zest Equity من مستثمري رأس المال الجريء (Venture Capital)، إذ انصبّت نحو 60 إلى 70 صفقة أولى على أصول مرتبطة بهذا القطاع.
مع ذلك، صُمّم هيكل المنصّة بعناية ليكون في الوقت نفسه معيارياً وقابلاً للمنتجة ، لكنه مرن بما يكفي لاستيعاب مجموعة واسعة من احتياجات الصفقات. ومع تراكم سجلّ إنجازات زست وترسيخ سمعتها داخل المنظومة، توسّع نشاطها تدريجياً خارج رأس المال الجريء نحو فئات أصول أكثر تقليدية مثل الملكية الخاصة والعقارات.
اليوم، تخدم زست شريحة شديدة التنوع من العملاء؛ فكل من يقود صفقة يصبح عميلاً لها، سواء كان مكتب عائلة، أو شركة ملكية خاصة، أو مؤسس شركة ناشئة، أو صندوق رأس مال جريء، أو مستثمراً ملائكياً، أو مدير مجموعة يدير شبكة من المستثمرين المشاركين. ويبقى دور زست واضحاً: بمجرد الاتفاق على الشروط بين الأطراف المعنيين، تتولى المنصّة مهمة تبسيط التنفيذ والامتثال والتواصل، لتحويل المعقّد إلى بسيط أمام مختلف فاعلي الأسواق الخاصة.
جولة ما قبل السلسلة A
في أبريل 2025، نجحت زست في جمع 4.3 ملايين دولار في جولة ما قبل السلسلة Pre-Series A، قادتها Prosus Ventures بمشاركة Morgan Stanley Inclusive and Sustainable Ventures. كما انضم إلى الجولة Middle East Venture Partners وDubai Future District Fund إلى جانب القاعدة الحالية من المساهمين. وجاءت هذه الجولة لتعزيز استراتيجية زست القائمة على البنية التحتية أولاً، واستقطاب المزيد من الكفاءات، وتقوية الأنظمة والعمليات والحوكمة استعداداً للتوسّع.
المحطّات المقبلة
تتطلّع زست إلى أن تصبح طبقة التنفيذ الافتراضية لصفقات الأسواق الخاصة. وتوضح روان: "نريد أن يكون 80% من الشركاء المحدودين (LPs) في المنطقة قد نفّذوا صفقاتهم عبر زست خلال السنوات الثلاث المقبلة."
تتمثل الرؤية في أن تكون زست بمثابة "الأنابيب" خلف كل صفقة، بدءاً من المركبات ذات الغرض الخاص (SPVs)، مروراً بأدوات رقمية ومنتجات خاضعة للتنظيم، وصولاً إلى التوسّع في أسواق ناشئة أخرى تعاني من الفجوات نفسها في آسيا وأوروبا.
وبالنسبة إلى روان، فإن الرحلة تحمل قدراً مساوياً من التحدي والحماس. وتقول: "الأمر لا يصبح أسهل أبداً. كلما نموت، ازدادت التعقيدات، لكن الأساس الذي نضعه منذ اليوم الأول هو ما يحدّد نجاحنا في السنوات المقبلة." إنّ هذا الانضباط طويل الأمد، مقترناً برؤية جريئة، هو ما تراهن عليه زست لتصبح العمود الفقري الذي لا غنى عنه في صفقات الأسواق الخاصة لسنوات قادمة.
اشترك في نشرتنا الإخبارية لتكون أول من يعرف عند نشر قصص جديدة من "كفاح المؤسسين"!