قيادة مستقبل الولاء وتجارب العملاء
كفاح المؤسسين

قيادة مستقبل الولاء وتجارب العملاء

[قراءة 8 دقائق]

بواسطة Bayanat٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥

من مجرّد أداة بسيطة على Shopify إلى منظومة متكاملة لإدارة الولاء المؤسسي تخدم كبريات العلامات التجارية، وتصل إلى أكثر من 400 مليون مستهلك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وما بعدها، قطعت شركة Gameball شوطاً طويلاً في رحلتها.

في هذا الإصدار من سلسلة "كفاح المؤسسين"، نجلس مع أحمد خيري، المهندس الذي تحوّل إلى رائد أعمال، ليحدّثنا بصراحة عن توسّع شركته من خدمة الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى المؤسسات الكبرى، وعن الطلب المتزايد على التخصيص، واقتصاديات الولاء، وأهمية المتاجر التقليدية رغم التحوّل الرقمي، وصولاً إلى "الكأس المقدسة" التي تطمح إليها Gameball.


من الهندسة إلى ريادة الأعمال


تدرّب أحمد كمهندس كهرباء، وارتقى سريعاً في المناصب داخل شركة Schneider Electric. يقول: "كنت أتلقى الترقيات باستمرار، وأُحضّر للإدارة، وأصبح أكثر أهمية داخل الشركة، وذلك أخافني. لم أُرِد تلك الحياة." لذا استقال، دون خطة أو شبكة أمان.

"لم تكن الخطوة الأولى أن أُنشئ منصة ولاء، بل فقط أن أبني شيئاً يخصّني."

منذ وقت طويل، كان أحمد شغوفاً بفهم لماذا يشتري الناس. يروي قصة دراسية عن شركة Tesco، التي اكتشفت أن الآباء الجدد يشترون كميات أكبر من الجعة عندما يشترون حفاضات، لأنهم يقضون عطلاتهم في المنزل. "قامت Tesco بربط المنتجين معاً، ونجح الأمر."

كانت تلك التجربة مثالاً بسيطاً لكنه قويّ على كيف يمكن للبيانات والتعاطف أن يوجّها القرارات التجارية. "تعلّقت تلك القصة بذهني. وجعلتني أتساءل: ماذا لو استطعنا ديمقراطية هذا النوع من الذكاء، ليصبح في متناول الجميع، لا حكراً على كبار تجار التجزئة؟"

ظلّ هذا السؤال يرافقه عاماً كاملاً وهو يستكشف أفكاراً مختلفة، قبل أن يلتقي مجدداً بصديقه أحمد العسّي، الخبير في قطاع الولاء والذي أصبح لاحقاً رئيس المنتجات. وهناك تبلورت الرؤية: منصة تساعد العلامات التجارية على فهم عملائها والتفاعل معهم بذكاء. بعد فترة قصيرة، انضم عمر ألفار (Omar Alfar) بصفته الرئيس التقني، لتولد Gameball.


الإطلاق عبر Shopify


بدأت النسخة الأولى من Gameball كتطبيق بسيط في متجر تطبيقات Shopify، يتيح للعلامات التجارية مكافأة المستخدمين بالنقاط والشارات والمستويات ولوائح المتصدرين. لم يكن الهدف الانتشار الواسع، بل العثور على قناة توزيع فعّالة. "كانت لدينا رؤية أكبر منذ البداية، لكننا لم نعرف كيف نصل إلى العلامات التجارية. جاءت Shopify كحلٍّ بديل يمكّننا من الوصول إليهم مباشرة."

وسرعان ما أثبت الرهان نجاحه. فخلال أسبوعين فقط، أصبحت Gameball أول شركة ناشئة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تُدرج تطبيقاً على Shopify، وأول من يظهر في صفحته الرئيسية، ما فتح أمامها موجة من المستخدمين الأوائل. ومع انتقال التجّار إلى الإنترنت خلال جائحة كوفيد-19، تضاعف النمو، واستغلّ الفريق الزخم ليبني واجهات برمجة التطبيقات (APIs) ومجموعات تطوير البرمجيات (SDKs) وتكاملات مؤسسية لخدمة العلامات التجارية خارج Shopify. واليوم، أصبحت Gameball أكبر شريك لتطبيقات Shopify في المنطقة.


النمو عبر العلامة البيضاء (Whitelabeling)


بين عامي 2023 و2025، ارتفع عدد عملاء Gameball من 7,000 إلى أكثر من 45,000 شركة. لم يكن ذلك صدفة، بل نتيجة استراتيجية ذكية: تقديم الخدمات بالعلامة البيضاء. "لاحظنا أن منصات التجارة الإلكترونية الكبرى تريد تقديم أدوات ولاء داخلية، فقمنا ببنائها لهم خلف الكواليس." من أبرز الأمثلة منصة زد Zid في السعودية، إذ أطلقت وحدة الولاء الخاصة بها تحت اسم Zid Loyalty، وكانت تعمل كلياً على بنية Gameball. تكرّر النموذج ذاته مع منصات أخرى، ما وسّع نطاق الوصول سريعاً. "كل منصة تخدم آلاف التجار، وبمجرد أن نزوّدها بأدواتنا، نخدم كامل منظومتها." بهذه الشراكات البيضاء، تمكّنت Gameball من التوسّع الهادئ والعميق في الأسواق المختلفة.


التوجّه نحو المؤسسات


مع نضوج الشركة، لاحظ الفريق نمطاً واضحاً: الشركات الصغيرة تركز على الاستحواذ، لا الاحتفاظ. هذا قادهم إلى التحوّل نحو خدمة المؤسسات الكبرى، بخطة جديدة بالكامل. "ما كان ينجح مع الشركات الصغيرة لم يعد يصلح مع المؤسسات. لم نعد نوزّع عبر منصات التجارة الإلكترونية، بل عبر الشركاء."

تتبنّى Gameball اليوم استراتيجية قائمة على الشراكات، تبني من خلالها شبكة عالمية من شركات التكامل، ووكالات التسويق، ومزوّدي التكنولوجيا في مختلف المناطق. يتم تدريب هؤلاء الشركاء واعتمادهم لدمج أدوات الولاء والتفاعل من Gameball ضمن خدماتهم لعملائهم، ما يحقق نمواً قابلاً للتوسع دون الحاجة إلى قوة مبيعات ضخمة. "إذا أردنا التوسع في آسيا والمحيط الهادئ، لا نبدأ من الصفر، بل نتوجه إلى شركاء في سنغافورة أو الفلبين، نُمكّنهم، وننمو معهم بنموذج مشاركة الإيرادات." ويضيف أحمد: "الغاية هي بناء منظومة يستفيد فيها الآخرون مادياً من Gameball. عندما يصبح جزء ملموس من دخل الشريك معتمداً على منتجاتنا، نعرف أننا نجحنا." إنها امتداد طبيعي للفلسفة التي ساعدت الشركة في بداياتها: النمو عبر الشراكات، لكن هذه المرة مع مؤسسات، لا متاجر صغيرة.


التجارب في التسعير و«الكأس المقدسة»


تتجلّى تأثيرات Gameball من خلال عملائها. فقد نسب أحد سلاسل المتاجر الكبرى في الخليج نحو 20٪ من إيرادات عام 2024 إلى برنامج الولاء الذي تديره المنصة، ما دفعه إلى مضاعفة عقده معها في العام التالي. كما شهدت شركة تجزئة سعودية ارتفاع معدلات الاسترداد من 4٪ إلى أكثر من 20٪ بعد إضافة خصائص الولاء الممزوجة بالألعاب. هذه النتائج دفعت أحمد لإعادة التفكير في نموذج التسعير.

حالياً، تفرض Gameball رسوماً اشتراكية تعتمد على عدد العملاء النشطين والوحدات المستخدمة. لكن مع تجاوز حجم التعاملات عبر المنصة 10 مليارات دولار سنوياً، يرى أحمد فرصة للتحوّل إلى نموذج يعتمد على الأداء — أي ربط الإيرادات بالقيمة الفعلية التي تولّدها المنصة. "لو استطعنا أخذ نسبة صغيرة من الإيرادات التي نساعد في توليدها، سيكون ذلك مغيراً للّعبة، بشرط أن يكون منطقياً ومربحاً لعملائنا أيضاً." وكأي شركة ناشئة، لا تتوقف Gameball عن التجريب — في المنتج، وفي نموذج العمل ذاته.


الحاجة المتزايدة إلى التخصيص


يرى أحمد أن أحد أسباب نجاح الشركة هو ارتفاع توقعات المستهلكين نحو التخصيص. "مستهلكو اليوم ليسوا من جيل الطفرة أو الجيل إكس، بل من جيل الألفية و(Z) — جيل وُلد رقمياً، نشأ على وسائل التواصل والمحتوى السريع والتجارب الفورية." يضيف: "المستهلك الآن لا يريد خصماً عشوائياً أو رمز ترويج عام. إذا كنتُ زبوناً وفياً أشتري منك بانتظام، أتوقع أن تعاملني بطريقة مختلفة."

في عالم تتراجع فيه الندرة لتحلّ محلها الوفرة، لم يعد التميّز بالمنتج وحده، بل بتجربة العميل. وهنا يأتي دور Gameball، التي تمكّن العلامات من تحليل بيانات العملاء وفهم سلوكهم: من الأكثر ولاءً، ومن يوشك على التراجع، وكيف يمكن التفاعل مع كل فئة بأسلوب مختلف. "قد يحصل العملاء الأوفياء على خدمة أسرع أو مزايا حصرية، بينما تُقدّم للعملاء الجدد حوافز تشجعهم على العودة." إنها مقاربة قائمة على البيانات لتقوية التواصل الإنساني — استخدام الذكاء لتحقيق علاقة حقيقية، لا مجرد زيادة المبيعات.


التخصيص… لا يزال أقل من قيمته الحقيقية


يقول أحمد: "أعتقد أن العلامات التجارية ما زالت تستهين بأهمية التخصيص. الاحتفاظ بالعملاء صعب، والتخصيص أصعب. فهو يتطلب جمع البيانات وتنظيفها وتحديثها باستمرار." ويؤكد أن جودة البيانات تحدد جودة النتائج. على العلامات التي ترغب في تعظيم معدلات الاحتفاظ أن تستثمر في بنية تحتية قوية للبيانات، مع الالتزام الصارم بالخصوصية. "العملاء واعون جداً لما يشاركونه، ولا يمكنك أن تأخذ بياناتهم كأمر مسلّم به. يجب أن يشعروا بأنهم يستفيدون مقابل مشاركتها."


اقتصاديات الولاء


ورغم أهمية التفاعل الفردي، لا يُجمّل أحمد الصورة: "النقاط في النهاية التزامات مالية. إنها وعد للعميل، وقد تصبح عبئاً على الميزانية إن لم تُدار بدقة." فالإفراط في الإنفاق يُفسد اقتصاديات البرنامج، بينما التقصير يجعله بلا أثر. "كل برنامج ولاء يعيش أو يموت بناءً على مدى توازنه: كيف تُحتسب النقاط، وكيف تُستخدم، وكيف تُترجم إلى أرباح واضحة."

من هذا المفهوم وُلدت Gameball Academy، وهي منصة تدريب وشهادات تُعلّم المسوّقين كيفية إدارة برامج الولاء بمسؤولية. "نرى فرقاً تُصدر النقاط دون تتبّع لمعدلات الاسترداد أو العائد، وهكذا تتآكل الهوامش." في جوهرها، تؤمن Gameball بأن تسويق الاحتفاظ أكثر كفاءة من إنفاق الإعلانات لجذب عملاء جدد، وأن الولاء هو السبيل الوحيد للنمو المربح عند التوسّع.


توحيد التجربة بين العالمين الرقمي والمادي


يمتدّ تركيز أحمد على الولاء ليشمل تجربة العميل الكاملة. "الكثير من الشركات تبني لعالم رقمي بالكامل، لكن هذا غير واقعي. المتاجر المادية لن تختفي." ولهذا صُمّمت Gameball لتخدم التجارب المتعددة القنوات (Omnichannel) بحيث تتدفّق البيانات بين القنوات بسلاسة.

فأحد عملائها الكبار في السعودية يمتلك مئات المتاجر الفعلية إلى جانب عدة علامات إلكترونية، كانت بيانات العملاء فيها مجزّأة لا يمكن تتبعها عبر القنوات. تدخّلت Gameball لتوحيد تلك البيانات، فجمعت كل التفاعلات من المتاجر والتطبيقات والمواقع في ملف عميل واحد، ما أتاح للعلامة التجارية أخيراً رؤية الرحلة الكاملة ومكافأتها، سواء تم الشراء من مركز تجاري أو عبر تطبيق. يعتبر أحمد أن الدمج بين العالمين الواقعي والرقمي هو الجبهة التالية في مجال الولاء.


ما القادم لـGameball؟


بعد جولة تمويل تأسيسية بلغت نحو 4 ملايين دولار في عام 2023، بمشاركة 500 Global وPropeller وSeedra Ventures، تستعد الشركة الآن لجولة تمويل جديدة تمهيداً لـ Series A. يقول أحمد: "الغاية ليست ملاحقة كل اتجاه جديد، بل التطوّر الهادف. ومع نضوج تقنيات الذكاء الاصطناعي، نستعد لمرحلة جديدة: التحوّل من منصة ولاء واحتفاظ إلى نظام تشغيلي متكامل للنمو، يساعد العلامات التجارية على جذب العملاء، والتفاعل معهم، والاحتفاظ بهم بذكاء."

كن في الطليعة

انضم إلى مجتمعنا المتنامي من عشاق التكنولوجيا، ولا تفوّت أي قصة، أو رؤية، أو تحديث حول التمويل في قطاع التكنولوجيا المزدهر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.