
داخل دليل العمليات في Stake
[قراءة 9 دقائق]
في هذا العدد من سلسلة "أصوات من الصناعة" ، أجرينا حوارًا مع ديفيد هارت (David Harte) ، مدير العمليات في منصة Stake، الرائدة في مجال الاستثمار العقاري الجزئي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تجاوزت استثمارات مستخدميها حاجز مليار درهم إماراتي، قادمة من أكثر من 170 دولة حول العالم.
تحدثنا مع ديفيد لكشف البنية التحتية، والأنظمة، والثقافة القيادية التي تُحرّك عجلة النمو السريع للشركة. من آليات التوسّع في أسواق جديدة، إلى المبادئ التشغيلية التي تقف وراء نجاح التنفيذ في Stake.
من الخدمات المصرفية إلى Stake
بدأ ديفيد مسيرته المهنية في المجال الذي لطالما حلم بالعمل فيه: كمحلل في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية لدى شركة Rothschild & Co في لندن. كان ذلك المسار التقليدي في عالم المال الذي اجتهد طويلًا للوصول إليه. إلا أنه، وعلى الرغم من حماسه للعمل واحترافية من حوله، شعر بأن شيئًا أساسيًا كان مفقودًا؛ إذ كان يتوق إلى بيئة عمل تمنحه قدرًا أكبر من الملكية، والانخراط في بيئات ريادية عالية النمو.
ومع تقدمه في هذا المسار، بدأ يتعامل مع صفقات تمويل لشركات ناشئة، وأخرى تُدار في الشرق الأوسط، لا سيما في دبي. وقد لفت نظره حجم التدفقات المالية المتزايدة إلى المنطقة، إضافة إلى تدفّق الكفاءات العالمية إليها، والوتيرة المتسارعة لنمو منظومة الابتكار.
مدفوعًا بطاقة المنطقة، بدأ ديفيد في رسم خريطة النظام البيئي للشركات الناشئة في دبي. وهناك، اكتشف منصة Stake، وهي منصة رقمية للاستثمار العقاري تتيح للمستخدمين امتلاك حصص جزئية من عقارات سكنية متميزة في دبي، من دون الحواجز التقليدية كالدفع المسبق الكبير أو التعقيدات الورقية أو انعدام السيولة. من خلال التطبيق، يمكن للمستخدمين تصفّح العقارات المعتمدة، والاستثمار بخطوات بسيطة، والحصول على دخل إيجاري شهري. يتولى فريق Stake جميع مراحل العملية، من شراء العقار، وإدارته، وتوزيع الأرباح، وصولًا إلى البيع النهائي.
لكن بالنسبة لديفيد، لم يكن نموذج العمل وحده هو ما جذبه؛ بل كان الفريق القيادي والمؤسسون الثلاثة: رامي طبارة، منار محمصاني وريكاردو بريزيدو، الذين جمعوا بين خبرات عميقة في مجالات التمويل، والعقارات، وتطوير المنتجات. يقول: "انضممت إلى شركة ناشئة بدافع التعلّم، وكان هدفي أن أتشبّع من كل ما يمكنني تعلمه. ومع اجتماع هؤلاء الثلاثة، شعرت أنني سأستفيد كثيرًا، حتى لو لم تنجح الشركة كما توقعت".
الواقع التشغيلي: فوضى الشركات الناشئة
انضم ديفيد إلى Stake قبل عامين ونصف بصفته مديرًا لاستراتيجية العمليات، في وقت كانت فيه الشركة تمرّ بتحديات النمو السريع، حيث سبقت وتيرة التوسّع القدرات التشغيلية. ورغم أن جودة الفريق أبقت الأمور تحت السيطرة، إلا أن الأنظمة الأساسية لم تكن مصمّمة للنمو السريع. "كان هناك تنسيق كبير عبر Slack، والبريد الإلكتروني، وواتساب، والكثير من البيانات غير المترابطة"، يذكر ديفيد.
ما رآه هو شركة تعمل بأنظمة مؤقتة لا تُناسب مستقبلًا قابلًا للتوسع. ويضيف: "جميع الشركات الناشئة تبدأ بأساليب مرنة ومرتبكة في آنٍ واحد".
ركّز ديفيد على بناء عمليات تستجيب لاحتياجات النمو المستقبلية، وليس فقط لتحديات اليوم. من أبرز الأمثلة: عملية توزيع الأرباح على المستثمرين. في البداية، كان الفريق يقضي أيامًا لتحليل كل عقار على حدة. لكن هذا الأسلوب لم يكن قابلًا للتوسّع ليشمل مئات أو آلاف العقارات. "كنا نهدر وقتًا ثمينًا من أشخاص مهمين فقط من أجل إتمام عملية واحدة"، يقول ديفيد. "الآن، أصبحنا ننجز هذه العملية في ساعات بدلًا من أيام، بفضل الأتمتة والتحقق الآلي من البيانات".
وشمل التحوّل عمليات واسعة مثل: أتمتة تسجيل المستحقات، إنشاء نماذج تدفقات نقدية مباشرة، ونظام تقني لتوزيع الأرباح. النتيجة؟ سرعة أكبر، أخطاء أقل، شفافية أعلى، ورؤية آنية لصحة الوضع المالي للعقارات.
فلسفة التوسّع
يؤمن ديفيد أن التوازن بين السرعة وقابلية التوسّع هو مفتاح النجاح التشغيلي. في Stake، يتّبع الفريق نهجًا مزدوج المسار: التحرّك بسرعة نحو أسواق أو منتجات جديدة، مع الحفاظ على صلابة الأنظمة الأساسية.
ويشرح: "دخول أسواق جديدة يتطلب بعض المرونة والنهج العملي، لكن يجب في المقابل الاستمرار في تطوير الأنظمة الرئيسية".
هذا النهج يسمح لـ Stake بالتحرّك بسرعة من دون التنازل عن الانضباط التشغيلي. وهي معادلة نادرًا ما تتحقق في الشركات الناشئة سريعة النمو.
تجربة السعودية: اختبار الواقع
وُضعت هذه الفلسفة على المحك مع التوسّع إلى السوق السعودية. كانت المهمة كبيرة: دخول سوق جديدة من دون التفريط في جودة العمليات.
لكن Stake كانت مستعدة. يقول ديفيد: "بعد أربع سنوات من التشغيل الناجح في دبي، أصبح لدينا دليل عمل (Playbook)، يمكن تطبيقه قبل حتى بدء التشغيل في السعودية".
رغم ذلك، واجه الفريق تحديات خاصة بالسوق الجديدة. "السعودية جارتنا، لكنها مختلفة تمامًا من حيث الأنظمة والتشريعات"، يضيف ديفيد. إذ احتاج الفريق إلى إعادة تشكيل الشراكات والأطر القانونية وإجراءات الامتثال.
علّمت التجربة ديفيد درسًا أساسيًا: يجب أن تكون البنية التشغيلية مرنة وصلبة في آنٍ واحد. فبينما يمكن تكرار بعض العمليات الأساسية، فإن النجاح في سوق جديدة يتطلب تكييف الأنظمة مع الديناميكيات المحلية، من دون التضحية بالسرعة أو السيطرة.
الابتكار عبر الوظائف
يقع دور ديفيد في قلب جميع وظائف الشركة، حيث يعمل على بناء أنظمة تعاونية تُعزّز فعالية Stake. يقول: "العمليات، وخصوصًا في شركة ناشئة، يجب أن تكون في صلب كل شيء. يجب أن أكون على دراية بكل ما يجري، والأهم أن أكون حاضرًا للمساهمة في حل المشكلات".
هذا التفكير المشترك أثمر عن مبادرات حقيقية، منها تعاونه مع الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للتقنية ريكاردو. "أدركنا أن التقنية والعمليات متلازمتان، فأسّسنا فريقًا هندسيًا متخصصًا بتحقيق الكفاءة التشغيلية. سميناه: فريق التوسّع التشغيلي".
ويؤكد أن هذه الفكرة لم تكن نتيجة تخطيط بيروقراطي، بل وُلدت من حوار دائم وفهم مشترك للتحديات.
قياس الأداء
حتى تستمر المنظومة بسلاسة، يجب أن يُقاس الأداء بطريقة صحيحة. لا يركّز ديفيد فقط على الأرقام، بل على قدرة الأنظمة على التوسع. يقول: "في النهاية، العمليات تهدف إلى دعم نمو الشركة. لذا، يجب أن تتماشى مؤشرات الأداء (KPIs) مع أهداف الشركة. فإذا كانت الشركة تهدف إلى دخول السوق السعودية، فهدفي أن أضمن نجاح هذه العملية".
يركّز نهجه على بناء القدرات لا على مراقبة النشاط فقط. النجاح بالنسبة له يعني تحقيق المزيد بموارد أقل. ويختم: "يجب تصميم العمليات بما يسمح لها بالعمل بكفاءة حتى لو تضاعف حجم الشركة خمس مرات".
البناء أم الشراء
تعتمد استراتيجية Stake التقنية على قرارات مدروسة: هل نبني الأدوات داخليًا؟ أم نشتري حلولًا خارجية؟ أم ندمج الذكاء الاصطناعي؟ الهدف ليس اللحاق بالصيحات، بل تحقيق قيمة تشغيلية حقيقية.
يستخدم ديفيد إطارًا مرنًا. "أحيانًا، نلجأ إلى أدوات خارجية لتوفير الوقت. وإن كانت تلائم الاستخدام المطلوب، فلمَ لا؟".
لكن في حال تساوي الكلفة، يُفضّل البناء الداخلي لما يتيحه من تحكّم ومرونة. كما يرى أن تطوير حلول بملكية فكرية (IP) يمنح الشركة قيمة استراتيجية أعلى.
حتى في الذكاء الاصطناعي، لا يستخدم الفريق التقنية إلا عند إضافة قيمة فعلية. "لن نطلق روبوت دردشة لمجرد كسب العناوين"، يقول ديفيد.
الثقافة والقيادة في Stake
مع تجاوز الفريق حاجز 100 موظف، أصبح الحفاظ على روح الشركة الناشئة هدفًا مقصودًا. يقول ديفيد: "الأمر يعود للثقافة التي غرسها المؤسسون، والتي تنتقل إلى كل قسم".
ويضيف أن الشركة وضعت منذ البداية أولوية لقسم الموارد البشرية والثقافة، كما ركزت على توظيف أشخاص يتعاملون بإيجابية مع الغموض ويزدهرون في بيئة سريعة الإيقاع.
أسلوب قيادة ديفيد يقوم على التعلم المستمر، والعمل التشاركي، وبناء القدرات طويلة الأجل. ويقول: "أكثر ما أستمتع به هو العمل مع مجموعة متنوعة من الخبراء. أتعلم منهم كل يوم".
هذا الشغف بالتعلّم انعكس على ثقافة الشركة ككل، حيث تُشجّع الفرق على التعاون العابر للأقسام، وكسر الحواجز، والعمل الجماعي لحل المشكلات. "الجميع هنا يساهم في تطوير الشركة، حتى المؤسسون أنفسهم"، يختم ديفيد.
الرؤية المستقبلية
يمتد هذا النهج المستقبلي من الداخل إلى طموحات Stake الخارجية. حتى الآن، ركزت الشركة على سوق العقارات السكنية في دبي، مدفوعة بالطلب والأطر التنظيمية. ومع دخولها السوق السعودية، بدأت مرحلة جديدة من التوسع.
يقول ديفيد: "الاستثمار الجزئي في عقارات دبي هو الأساس، لكننا أطلقنا مؤخرًا صندوقًا استثماريًا في السعودية، ونحن نتابع ما هو قادم". مع تطور الأطر التنظيمية، تنفتح الأبواب أمام فئات أصول جديدة، وخدمات مالية أعمق، وشرائح أوسع من المستثمرين.
بينما تُرسّخ Stake مكانتها في المنطقة، فإن رؤيتها تتجاوز الحدود. "لدينا علاقات وثيقة مع كبار اللاعبين عالميًا"، يقول ديفيد. "وبنينا نموذجًا يسمح بالاستثمار الدولي منذ اليوم الأول". الطموح واضح: "نحن لا نقارن أنفسنا بشركات المنطقة، بل نرى أنفسنا كشركة رائدة عالميًا".
وعبر كل مرحلة، سواء عند دخول سوق جديدة أو إطلاق منتج جديد، تبقى المبادئ ثابتة: أنظمة موحدة، قابلة للتوسّع، وتنفيذ دقيق. وهي الأسس التي سمحت لـ Stake بالنمو السريع دون المساس بجودة التنفيذ.
اشترك في نشرتنا الإخبارية لتكون أول من يعرف عند نشر قصص جديدة من "أصوات الصناعة" !