المالي الأكثر تأثيراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
أصوات الصناعة

المالي الأكثر تأثيراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

[قراءة 10 دقائق]

بواسطة Bayanat١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥

في هذا العدد من سلسلة أصوات الصناعة ، أجرينا حواراً مع يوسف سالم، المدير المالي التنفيذي في شركة ADNOC Drilling ، وأحد أبرز القيادات المالية تأثيراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. خلال العقد الماضي، تنقّل يوسف عبر مختلف أركان المشهد المالي في المنطقة، من الخدمات المصرفية الاستثمارية وعمليات الطرح العام الأوّلي للشركات الناشئة، إلى مشاريع الذكاء الاصطناعي والأسواق العامة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. قصّته تقدّم نظرة نادرة من الداخل على تطوّر أسواق المال في المنطقة.


مسيرة مهنيّة بُنيت على الفرص والعلاقات


تميّزت مسيرة يوسف المهنية بتتابع فرص من المصادفات السعيدة التي فتحت له أبواباً جديدة، غالباً بطرق غير متوقّعة.

بدأ كلّ شيء في Q-Invest، أوّل بنك استثماري في قطر، حيث وضع يوسف الأسس لمسيرته المالية. لاحقاً، انضمّ إلى شركة Moelis & Company في دبي بصفته مديراً تنفيذياً، حيث قدّم المشورة لأكبر الشركات في المنطقة بشأن الصفقات المعقّدة، وجمع رؤوس الأموال، والاتفاقيات الاستراتيجية.

لاحقاً، سيُسهم اثنان من عملائه في رسم ملامح مسيرته المهنية: منصة النقل الجماعي Swvl، وشركة ADNOC، شركة النفط الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة.


من تقديم الاستشارات لـ Swvl إلى قيادة طرحها عبر شركة استحواذ ذات غرض خاص (SPAC)


خلال فترة عمله في شركة Moelis & Company، عمل يوسف سالم بشكل وثيق مع شركة Swvl، حيث ساعدها في جمع رؤوس الأموال والاستعداد للإدراج في الولايات المتحدة. ما بدأ كعلاقة استشارية مع الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي مصطفى قنديل، سرعان ما تطوّر إلى صداقة متينة. لذلك، حين جاء وقت تعيين مدير مالي تنفيذي يقود عملية إدراج Swvl داخلياً، لم يحتجّ مصطفى إلى البحث طويلاً، إذ كان يوسف الخيار الواضح والطبيعي.

كانت الفرصة بالنسبة ليوسف تاريخية بكل معنى الكلمة: المشاركة في إدراج أوّل شركة مصرية تُطرح للاكتتاب في الولايات المتحدة، وأوّل شركة ناشئة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تُدرج في بورصة Nasdaq، وأيضاً كونها المنصّة الوحيدة في قطاع النقل الجماعي التقني المدرجة في أي بورصة عالمية آنذاك.

يقول يوسف متأمّلاً: «الانضمام إلى Swvl كمدير مالي تنفيذي كان أمراً منطقياً تماماً. كنت أؤمن برسالة الشركة، وأردت أن أساهم في فتح آفاق جديدة غير مطروقة». بالنسبة له، لم يكن الهدف من خوض هذه التجربة هو الظهور الإعلامي، بل تمهيد الطريق لآخرين ليسيروا عليه. ومع ذلك، كان كثير من هذا المسار جديداً عليه.

اتّسع نطاق دوره إلى ما هو أبعد بكثير من عمليات جمع رؤوس الأموال والصفقات التي اعتاد عليها طوال مسيرته المهنية. فجأةً، أصبح لمجال المالية معنى جديد شامل، إذ بات يتضمّن المحاسبة، والضرائب، والتقارير المالية، والامتثال، والحوكمة، وتقنيات المعلومات المؤسسية (Enterprise IT)، والاستدامة، والتخطيط المالي، والأداء المؤسسي، وتطوير الأعمال. وجد يوسف نفسه يتعامل مع ملفات تنظيمية معقّدة لـهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية ، ويُعدّ بيانات مالية مدقّقة وفق المعايير الأميركية، ويؤسّس إطار حوكمة من الصفر يتضمّن مجلس إدارة مستقلّاً، وذلك لضمان جاهزية Swvl الكاملة للحياة كشركة مدرجة في الأسواق العامة.

لكنّ التحوّل الأكبر، كما يقول يوسف، كان في مفهوم الملكية والمسؤولية. «في المصرفية الاستثمارية، تقدّم المشورة وتمضي قُدماً. أمّا داخل الشركة، فأنت تملك النتائج — النجاحات، والإخفاقات، وكلّ ما بينهما».


لماذا شركة الاستحواذ ذات الغرض الخاص (SPAC


من اللافت أنّ شركة Swvl اختارت الإدراج عبر شركة استحواذ ذات غرض خاص (SPAC)، لتُصبح بذلك أكبر عملية إدراج من هذا النوع في الشرق الأوسط آنذاك، وثاني شركة من المنطقة تسلك هذا المسار بعد Anghami. لم يكن الهدف من العملية تحقيق خروج استثماري أو حدث تسييل، بل كما يوضح يوسف سالم: «كانت صفقة الـ SPAC مجرّد وسيلة لجمع رأسمال أوّلي. لم تتضمّن أي عنصر ثانوي، والمقارنة الحقيقية كانت مع جولة تمويل خاصة».

ويضيف يوسف: «الميزة في نموذج SPAC كانت في تمكين المستثمرين من الاشتراك في قصة نموّ طويلة الأمد، بدلاً من التركيز على الديناميكيات قصيرة المدى». بعبارة أخرى، أتاح هذا المسار لشركة Swvl أن تجمع التمويل بشروط أكثر ملاءمة، من مستثمرين يؤمنون بحجم سوقها وإمكاناتها المستقبلية.

كما جاء القرار منسجماً تماماً مع الظرف الاقتصادي العام في ذلك الوقت. فعمليات SPAC تزدهر عادةً عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة، ولم تكن فترة ما بعد جائحة كوفيد-19 استثناءً. يشرح يوسف قائلاً: «تُتيح SPAC للمستثمرين إيداع أموالهم لفترة تمتدّ من عام إلى عامين ريثما تبحث عن شركة للاندماج معها. وفي بيئة ذات فائدة شبه صفرية، يكون العائد المفقود لتلك الأموال ضئيلاً جداً».

ويشير إلى أنّ هذا العامل تحديداً هو ما غذّى طفرة SPAC خلال فترة الجائحة، وجعل توقيت Swvl في تلك المرحلة استراتيجياً إلى حدّ كبير.


ما الذي تتطلّبه الأسواق العامة فعلياً


شكّل الإدراج في الأسواق العامة نقطة تحوّل جذرية في دور يوسف سالم. يقول: «حين تكون شركة خاصة، ينصبّ تركيزك بالكامل على التنفيذ والعمل بهدوء. أمّا عندما تصبح شركة عامة، فتصبح أمامك شبكة واسعة من أصحاب المصلحة والالتزامات العلنية التي يجب إدارتها».

أصبحت الحوكمة وعلاقات المستثمرين محور عمله اليومي، من اجتماعات مجلس الإدارة الفصلية، إلى لجان التدقيق والترشيحات، مروراً بمكالمات الأرباح، وتغطيات المحلّلين، وتحديثات المستثمرين، والاستراتيجيات الخاصة بالمؤتمرات المالية.

أحد أهم الدروس التي تعلّمها يوسف تمحور حول ما الذي يُولّد القيمة فعلاً بعد الإدراج. يقول: «عندما تطرح الشركات أسهمها في السوق، ينشغل الجميع بقيمة رأس المال السوقي وسعر السهم. لكن الأهمّ من ذلك بكثير هو السيولة — أي حجم التداول الفعلي للسهم».

ويضرب مثلاً بالعقارات: «يمكنك أن تضع أي سعر على عقار، ولكن من دون سوق نشطة للمشترين والبائعين، يبقى السعر مجرّد رقم».

يرى يوسف أن السيولة هي ما يُعطي معنى حقيقياً للتقييم المالي، وقد أصبحت تركيزاً محورياً أيضاً في دوره الحالي في ADNOC Drilling. يقول: «صحيح أنّ ارتفاع سعر السهم والقيمة السوقية أمران مهمّان، لكن ازدياد السيولة أهمّ بكثير، لأنّه على المدى الطويل هو ما يتيح جذب المستثمرين الكبار، وهو ما يدفع السعر إلى الارتفاع تدريجياً بمرور الوقت».

بناء تلك السيولة يتطلّب استراتيجيات متعدّدة الطبقات تتجاوز الأداء المالي بحدّ ذاته، وتشمل:

التفاعل مع المستثمرين الأفراد عبر منصّات مثل Robinhood و eToro و Reddit، وتنظيم جلسات «اسألني ما تشاء AMA» والحفاظ على تدفّق متواصل من الأخبار والتحديثات.

خلق الزخم وفرص التداول لصناديق التحوّط من خلال إعلانات الاندماج والاستحواذ (M&A)، وأيام أسواق رأس المال، والإعلانات الدورية.

كسب ثقة المؤسسات الاستثمارية عبر تجاوز التوقّعات المالية باستمرار، ورفع التوجّهات المستقبلية، والحفاظ على الشفافية ربعاً بعد ربع.

توسيع الظهور المؤسسي عبر زيادة نسبة التداول الحرّ (Free Float)، وضمان تغطية الأبحاث التحليلية، والمشاركة في المؤتمرات والجولات التعريفية للمستثمرين، والسعي للانضمام إلى مؤشرات كبرى مثل MSCI وFTSE

ويختصر يوسف الأمر بجملة واحدة: «حين تصبح شركة عامة، فأنت نصف منشئ ونصف مسوّق. على السوق أن يرى ما تفعل، وتفهمه، وتؤمن به — وإلا فلن تُترجم القيمة الحقيقية أبداً».


شركة AIQ بناء خيارات الخروج في كلّ خطوة:


بعد تجربة Swvl، جاءت الخطوة التالية ليوسف سالم ضمن نمط مألوف في مسيرته: استثمار الفرص التي تنشأ من الثقة والعلاقات طويلة الأمد.

في أبريل 2023، تجسّدت تلك الفرصة في شركة AIQ، وهي مشروع مشترك بين شركة ADNOC أحد عملائه القدامى الذين قدّم لهم المشورة في عدد من صفقات الاندماج والاستحواذ (M&A) وعمليات الطرح العام الأوّلي خلال عمله في Moelis & Company وشركة G42، الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في أبوظبي.

يقول يوسف: «كانت الشراكة تجمع أكبر كيانين في مجالي الطاقة والذكاء الاصطناعي لإنشاء مشروع مبتكر في الذكاء الاصطناعي. كان واضحاً منذ البداية أنّ هذا المشروع يمتلك الدعم اللازم ويمكنه التوسّع بسرعة كبيرة».

عند انضمامه، كانت خطة أي آي كيو تتمثّل في الاستعداد للإدراج في الأسواق العامة. بدأت الشركة حينها ببناء هياكل الحوكمة، وتشديد الرقابة المالية، والتحضير للجاهزية السوقية. لكن خلال ستة أشهر فقط، تغيّر الاتجاه الاستراتيجي. فقد رأت شركة Presight المدرجة بالفعل في السوق، والرائدة في قطاعات مثل الرعاية الصحية والخدمات المالية — في أي آي كيو بوابتها للدخول إلى قطاع الطاقة، واستحوذت على حصة الأغلبية فيها، في صفقة بلغت قيمتها 1.4 مليار دولار أميركي.

بالنسبة ليوسف، لم يكن ذلك انحرافاً عن المسار، بل تأكيداً على مبدأ جوهري يؤمن به: الخيارات تُبنى ولا تُكتشف. يقول: «في أي عمل تقوم به، أنت في الحقيقة تخلق خياراتك المستقبلية. الكثير من الجهود التي تبذلها في مجال الحوكمة، والبناء، وتعظيم القيمة، هي ما يفتح أمامك تلك الخيارات».

ويضيف: «قصة الإدراج الجذّابة وقصة الاستحواذ الجذّابة تشتركان في الحمض النووي ذاته». فالعمل الذي أُنجز استعداداً لعملية الإدراج لم يذهب سدى عندما تغيّرت الاستراتيجية نحو الاستحواذ، بل هو تحديداً ما هيّأ الظروف التي جعلت تلك الصفقة ممكنة ومجدية.


العمل على نطاق واسع ودليل صفقات الاندماج والاستحواذ


مع إتمام استحواذ AIQ من قبل Presight، فُتح باب جديد أمام يوسف سالم، هذا الباب كان سيدفع قيادته إلى مستوى جديد كلياً، هذه المرة بصفته المدير المالي التنفيذي لشركة ADNOC Drilling . ساعد التشارك القيادي بين AIQ وADNOC Drilling على جعل الانتقال سلساً، لكن القفزة نفسها كانت مذهلة. يعترف يوسف: «لم يسبق أن عملت على هذا المستوى من قبل. كان عدد موظفي AIQ نحو 100 شخص، وSwvl عدة مئات، و Moelis & Company 50 في منطقة الشرق الأوسط، وQ-Invest 200. أمّا ADNOC Drilling فكان لديها 11,000 موظف».

وكانت القفزة في القيمة السوقية بنفس القدر من الدراما. فقد بلغت ذروة Swvl مليار دولار، بينما قُدّرت AIQ بـ1.4 مليار دولار عند الاستحواذ عليها، في حين بلغت قيمة ADNOC Drilling 15 مليار دولار عند انضمامه، ونمت لتتجاوز اليوم 27 مليار دولار. هذا الحجم الكبير يغيّر كل شيء: الحوكمة، واتخاذ القرار، وطريقة خلق القيمة.

بصفته المدير المالي التنفيذي، يشرف يوسف اليوم على أحد أبرز المحركات الاستراتيجية للشركة، وهو الاندماج والاستحواذ. تعتبر هذه الصفقات ركيزة أساسية لاستراتيجية نمو ADNOC Drilling، لكن تحت قيادته تُدار بدقة وانضباط. يجب أن تكون كل صفقة منطقية على محورين: الفائدة المالية والتوافق الاستراتيجي. يوضح يوسف: «إذا كانت الصفقة تضيف قيمة على صعيد ربحية السهم، وتوزيعات الأرباح، والعائد على حقوق الملكية، والعائد على رأس المال المستثمر، فهي نعم مالية واضحة. لكن حتى في هذه الحالة، يجب أن تتوافق مع الاستراتيجية الجوهرية. الصفقات التي تشتت التركيز بعيداً عن الأولويات طويلة المدى أو تربك المستثمرين ليست جديرة بالمتابعة. لا تريد الابتعاد كثيراً عن عملك الأساسي، لأن ذلك يخفّض المضاعف الذي تتداول عنده».

تجسّد استحواذ الشركة على أعمال الحفر البري لشركة SLB في عمان والكويت هذا التوازن تماماً. استراتيجياً، الأسواق مجاورة وتنمو، وتتمتع بديناميكيات متقاربة مع دولة الإمارات. عملياً، يمكن نقل الحفارات بين المناطق بسهولة. مالياً، الصفقة تضيف قيمة عبر جميع المؤشرات الرئيسية، ملبّيةً المعايير الاستراتيجية والمالية معاً.

كما أن عمليات الدمج بعد الاستحواذ تتبع منهجية منضبطة. يشرح يوسف: «نركز على الدمج التجاري، ولا نغيّر العلامة التجارية أو الإدارة أو الحمض النووي الأساسي للشركات التي نستحوذ عليها. بدلاً من ذلك، نركز على التآزر وفرص البيع المتبادل. هدفنا هو دمج يحقق النمو، لا إعادة هيكلة مدفوعة بالتكلفة».


أسواق رأس المال المتطوّرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا


شهدت أسواق رأس المال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية تقدماً ملحوظاً، لكنّ يوسف سالم يرى أنّ الطريق نحو بيئة استثمارية ناضجة بالكامل لا يزال مستمراً.

لقد نضج تمويل الشركات في مراحلها المبكرة بشكل كبير، إذ أصبح المستثمرون في جولات Pre-Seed وSeed وSeries A نشطين وراسخين. ومع ذلك، لا تزال المنظومة تواجه صعوبة في دعم الشركات في مرحلة النمو، تلك التي أثبتت صحة نموذجها وتحتاج إلى رأس مال للتوسّع قبل الإدراج في السوق العامة أو الاستحواذ عليها. يوضح يوسف: «صناديق مثل آلية النمو التابعة لـBECO تساعد، لكن ما زال الطريق طويلاً قبل أن تصبح هذه الطبقة من رأس المال قوية ومستقرة».

وتسير قصة مماثلة في مجال الائتمان الخاص، إذ بدأت تظهر تدريجياً، مع مبادرات مثل المشروع المشترك بين Ajeej وNuwa وصندوق الائتمان الخاص لشركة Shorooq، إلى جانب نشاط انتقائي من البنوك الدولية مثل JPMorgan وGoldman Sachs، غالباً لتمويل لاعبي FinTech مثل Tabby وTamara وLendo. ويشير يوسف إلى أنّ «هذه مؤشرات مشجعة، لكننا ما زلنا بحاجة إلى مزيد من التنويع في مقدمي الائتمان الخاص، لتغطية نطاق أوسع من الصناعات».

كما يظل مشهد الأسهم الخاصة (Private Equity) ضعيفاً. يقول يوسف: «بعد تجربة Abraaj، فقدنا ثقافة الأسهم الخاصة النقية. معظم ما نراه اليوم هي أدوات صفقة بصفقة، وليست صناديق عمياء (Blind-Pool Funds) التي تدعم منظومة استثمارية مستدامة. والكثير منها ما زال مدعوماً حكومياً».

بعيداً عن توفر رأس المال، تظل القيود الهيكلية تحدّ من نمو الأسواق العامة في المنطقة. وأوّل هذه القيود يتعلق بأهلية الإدراج. يوضح يوسف: «معظم البورصات الكبرى في المنطقة لا تسمح للشركات غير الرابحة بالإدراج بعد. حتى اليوم، يعتبر سوق Nomu في السعودية هو المنصة الكبرى الوحيدة التي تفعل ذلك. إذا كنت شركة غير رابحة في الإمارات، أو السعودية على Tadawul، أو مصر، ففعلياً لا يمكنك الذهاب إلى السوق العامة».

وتحدّ آخر يتمثّل في التجزئة الإقليمية. على عكس الولايات المتحدة أو الصين، لا تمتلك منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سوقاً موحّدة. يقول يوسف: «كل دولة لها إطارها التنظيمي الخاص، وقواعد الترخيص، وحواجز البيع عبر الحدود. وهذا يجعل من الصعب بناء نطاق إقليمي حقيقي يجذب المستثمرين العالميين».

مع ذلك، يرى يوسف دينامية إيجابية. شركات مثل Jahez، التي توسّعت إلى قطر عبر الاستحواذ، أو Tabby، التي تعمل في كلّ من السعودية والإمارات، تُظهر ما يمكن أن تبدو عليه النجاحات الإقليمية واسعة النطاق (Pan-Regional Plays).


البنية التحتية المفقودة ورغبة المستثمرين


يتطرّق يوسف سالم أيضاً إلى تصميم المنظومة الاستثمارية. ويشير إلى هونغ كونغ واليابان كمثال على بيئات متكاملة تتعاون فيها الجامعات، والشركات الكبرى، والمجمعات التكنولوجية، والشركات الناشئة بشكل وثيق. يقول: «الأمر لا يقتصر على تمويل الشركات الناشئة فحسب، بل يتعلق بربطها بالشركات التي تطوّر الملكية الفكرية وتقوم بأبحاث وتطوير حقيقية. هذا هو ما يُنشئ منظومة تقنية مستدامة».

في منطقة الشرق الأوسط، لا تزال هذه الروابط ضعيفة. بالإضافة إلى ذلك، يظل معظم المستثمرين في الأسواق العامة في المنطقة يركّزون على توزيعات الأرباح، وهو ما يتناقض مع احتياجات الشركات ذات النمو السريع. يوضح يوسف: «الشركات النامية ليست في موقع يمكنها من دفع توزيعات أرباح. وهذا يجعلها أقل جاذبية محلياً مقارنة بأسواق مثل الولايات المتحدة، حيث يقدّر المستثمرون الإمكانات طويلة الأمد والنمو».


غياب السوق الثانوية


من العناصر الحرجة المفقودة أيضاً وجود سوق ثانوية فعّالة. في الأسواق المتطورة، يتداول قاعدة واسعة من المستثمرين الأفراد، وصناديق التحوّط، والمستثمرين في الشركات الصغيرة (Micro-Cap Investors) الشركات الأصغر، ما يوفر السيولة وإشارات التسعير. يقول يوسف: «هذه الطبقة غير موجودة فعلياً هنا. تاريخياً، لم تكن البورصات الثانوية مثل Nasdaq Dubai أو بورصة النيل (Nile Exchange) نشطة بما يكفي».

ويؤيد يوسف إنشاء بورصات خاصة تسمح للشركات الناشئة الكبرى بتداول أسهمها قبل الإدراج في السوق العامة، مشابهة لـ Nasdaq Private Market في الولايات المتحدة. يوضح: «حالياً، في الشرق الأوسط، إمّا أن تتداول علنياً مع رمز تداول أو لا تتداول على الإطلاق. نحن بحاجة إلى هذه الطبقة الوسطى».


دور الحكومات


تتقاطع كل هذه الفجوات، من الائتمان الخاص إلى الأسواق الثانوية، عند نقطة مشتركة: كيفية إطلاقها. يقول يوسف سالم: «دائماً ما يكون الأمر بمثابة مشكلة الدجاجة والبيضة. تحتاج إلى وجود طلب وعرض كافيين لإنشاء سوق فعّالة».

يمكن للحكومات أن تلعب دوراً محفّزاً في تطوير السوق. يوضّح يوسف: «عندما تُدرج شركات ADNOC التابعة لها وغيرها من الشركات المملوكة للدولة في السوق، فإنها تخلق العرض. هذا العرض يجذب المستثمرين المحليين والدوليين، ما يمكّن الشركات الخاصة من اتباع نفس المسار والوصول إلى الأسواق العامة».

ويضيف: «في النهاية، تحتاج إما إلى حافز على جانب الطلب أو جانب العرض لكسر الحلقة. ومتى تحرك أحد الجانبين، يتبعه الآخر».


لماذا يركّز المستثمرون الأجانب على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا


يرى يوسف أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستستمر في جذب اهتمام متزايد من المستثمرين الأجانب، وهو اتجاه سيعزّز بدوره سيولة السوق ويفتح المزيد من فرص الخروج المحلي.

في ADNOC Drilling، يمتلك المستثمرون الدوليون أكثر من 60% من الأسهم الحرة (Free Float)، بما في ذلك مؤسسات كبرى مثل Fidelity وBlackRock وCapital Group وGIC. ويشير يوسف: «في الواقع، نحن أكثر سهم يتملكه المستثمرون عبر جميع الأسواق الناشئة العالمية».

ويشرح يوسف: «لم يعد هناك الكثير من الملاذات الآمنة، وهنا تتألق منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الإمارات العربية المتحدة. الحوكمة المستقرة، والدعم الحكومي القوي، والأنظمة الشفافة، وإمكانات النمو تجعلها خياراً جذاباً للمستثمرين الراغبين في الانكشاف على الأسواق الناشئة، من دون التعرض لتقلبات الجغرافيا السياسية والاقتصاد الكلي التي تؤثر على مناطق أخرى».


المبادئ الإرشادية ليوسف سالم


بالنسبة ليوسف سالم، ينبع النجاح من التركيز، والثقة، والعلاقات التي تبنيها على طول الطريق. بخلاف دوره كمدير مالي تنفيذي في ADNOC Drilling، يدعم يوسف بنشاط منظومة الابتكار في المنطقة من خلال عمله كرائد أعمال مقيم (Entrepreneur in Residence) في Hub71، ومستشار في BECO Capital، وعضو مجلس إدارة لعدة شركات.

في هذه الأدوار، يظل يوسف مرتبطاً بشكل وثيق بالشركات الناشئة وفهم الديناميكيات الأساسية لأسواق رأس المال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فلسفته بسيطة وواضحة: بناء علاقات حقيقية، تحقيق النتائج، وترك الفرص تأتي بشكل طبيعي نتيجة لذلك.

كن في الطليعة

انضم إلى مجتمعنا المتنامي من عشاق التكنولوجيا، ولا تفوّت أي قصة، أو رؤية، أو تحديث حول التمويل في قطاع التكنولوجيا المزدهر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.